رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي



تعيش المنطقة اليوم تحولات عميقة تعيد تشكيل توازناتها السياسية والجغرافية، ويبدو أن إسرائيل وجدت نفسها في قلب هذه التحولات بوصفها فاعلًا مركزيًا في مشروع الشرق الأوسط الجديد. الحديث عن "إسرائيل الكُبرى" لم يعد مقتصرًا على حدود جغرافية تمتد من النيل إلى الفرات كما حلم بها بعض التيارات الصهيونية، بل تحول إلى طموح حقيقي يتمثل في الهيمنة الإقليمية والسيطرة الناعمة عبر الاقتصاد، والتكنولوجيا، والتطبيع السياسي، والشراكات الأمنية.

منذ نشأتها، سعت إسرائيل إلى ضمان تفوقها العسكري والاستراتيجي في محيط عربي مضطرب، لكن ما يحدث الآن يتجاوز فكرة الردع إلى بناء منظومة نفوذ متشعبة وراسخة، قائمة على إضعاف المحيط العربي وتفكيك الدول المحورية فيه، سواء عبر الحروب المباشرة كما في لبنان وسوريا والعراق واليمن، أو من خلال دعم قوى داخلية لإشاعة الفوضى واستنزاف المجتمعات، أو من خلال الدخول في تحالفات مع أنظمة تسعى إلى الحماية وتصفية حساباتها مع قوى إقليمية أخرى، كما حدث في حربها مع إيران.

إن الشرق الأوسط الجديد الذي يُعاد تشكيله اليوم لا يُعد مشروعًا سِرّيًا أو محايدًا، بل هو واقع يتشكل تحت تأثير قوى خارجية وإقليمية، حيث تتراجع الدولة الوطنية لصالح الفاعلين من غير الدول، وتُستبدل الهويات القومية المشتركة بانتماءات طائفية وقبلية ومناطقية. في هذا السياق، تتحرك إسرائيل بذكاء لتكون المستفيد الأكبر من الفراغ الناتج عن سقوط العواصم الكُبرى في أزمات داخلية متواصلة، وتقدم نفسها كقوة مُهيمنة تفرض سياسة "الردع بالقوة" وتطرح نفسها كشريك استراتيجي يسعى إلى تحالف مُفترض واستقرار مُزْعَم، لا كعدو وجودي كما كان ينظر إليها لعقود من قبل.

ما تسعى إليه إسرائيل اليوم ليس فقط احتلال الأرض، بل ما هو أبعد من ذلك من خلال السيطرة على القرار السياسي والاقتصادي والأمني في المنطقة، وخلق نظام إقليمي جديد تكون فيه هي الحَكَم والضامن. عبر اتفاقات التطبيع التي شملت دولًا خليجية وعربية، وعبر نفوذها المتزايد في ملفات الطاقة والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والمياه، حتى أصبحت إسرائيل لاعبًا حتميًا في المعادلات الإقليمية.

ومع ذلك، فإن هذا التقدم لا يخلو من معوقات. فالمقاومة لم تنتهِ، بل تغير شكلها وتطورت أدواتها، ولا تزال هناك قوى إقليمية مثل إيران وحزب الله وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية، تعارض هذا المشروع وتسعى إلى تعطيله، بالإضافة إلى رأي عام عربي غالبًا ما يُظهر رفضًا واضحًا للتطبيع، رغم محاولات الترويض الإعلامي والسياسي المستمرة. كما أن إسرائيل نفسها تواجه أزمات داخلية حادة تتمثل في انقسامات سياسية واجتماعية، وتحديات ديمغرافية تتعلق بمستقبل العلاقة بين اليهود والعرب داخل الكيان، وبين التيارات العلمانية والدينية المتشددة.

في النهاية، فإن إسرائيل الكُبرى، بمعناها الفعلي والجغرافي، هي مشروع صار قيد التشكّل وبات واقعًا مفروضًا وملموسًا الآن. إلَّا أن الشرق الأوسط الجديد أصبح ساحة صراع مفتوحة لم تُحسم بعد، بل تتحرك فيها القوى في اتجاهات متناقضة، بعضها يسعى إلى بسط الهيمنة، وبعضها يحاول إعادة التوازن. والنتيجة النهائية ستُرسم لا فقط بالقوة، بل بقدرة المجتمعات على الانتفاض والاستنهاض، وبحجم التغير في وعي الشعوب قبل أن تبدأ لعبة صراع العروش، وأجندة رسم الخرائط وتقسيم الحدود.
إن لحظة التحول الحاسمة قد تقترب، ولا مجال لمزيد من التردد. فإما أن تستعيد الشعوب العربية زمام المبادرة، وتفرض رؤيتها الوحدوية من القاعدة إلى القمة، أو تواصل الغرق في مستنقعات الانهيار والانقسام والفوضى. لقد تأخر الوقت كثيرًا، لكن الفرصة لم تضِع بالكامل بعد. فإرادة رأب الصدع ولّم الشمل وتوحيد الصفوف، قادرة على قلب الموازين. والشعوب التي أنجبت حضارات عريقة، وواجهت قرونًا من البطش والاحتلال والاستعمار، تملك ما يكفي من الوعي والقوة لتنهض من جديد من تحت الرماد، شرط أن تدرك أن زمن الانتظار قد انتهى، وأن الوحدة لم تعد خيارًا مطروحًا، بل ضرورة حتمية للبقاء.