«تل أبو مندور».. مقصدًا سياحيًا بالبحيرة يجذب الزوّار من كافة أنحاء العالم

في قلب الجنوب الشرقي لمدينة رشيد بمحافظة البحيرة، وعلى ضفاف النيل، حيث يلامس النهر الخالد أطراف التلال الرملية، وتقع منطقة تل أبو مندور، التي تحولت من مجرد كثبان رملية شاهدة على مرور الزمن، إلى واحد من أبرز المزارات السياحية والروحانية بمحافظة البحيرة.
حيث يقع تل أبو مندور « جبل أبو مندور » فى جنوب مدينة رشيد بمحافظة البحيرة وهى عبارة عن مجموعة من التلال الرملية على هيئة ربوة جبل بمحاذاة نهر النيل، بجوارها مسجد سيدى أبو مندور الذى بنى عام 1312/1897م .
منطقة تل أبو مندور ليست مجرد موقع جغرافي، بل هي مزيج ساحر من عبق التاريخ وجمال الطبيعة وسمو الروحانية، إذ تتوسطها قبة شامخة لمسجد وضريح "سيدي محمد أبو مندور"، الرجل الصالح الذي وفد إلى رشيد من العراق قبل نحو ألف عام، ليُعلِّم أهلها أمور دينهم ويكون إمامًا وشيخًا ومُربيًا، حتى أصبح أحد رموزها البارزين.
من صمت الرمال إلى نبض السياحة
لسنوات طويلة، كانت تلال أبو مندور مجرد رمال صامتة على أطراف المدينة، لا يعبأ بها سوى أهل المكان، ولكن مع دخول المنطقة ضمن خطة وزارة السياحة لتطوير المواقع التراثية والدينية، تغير المشهد كليًا.
فقد تم تمهيد الطرق المؤدية إلى المنطقة، وإنارة محيط المسجد، وتطوير ساحة الضريح، وإنشاء ممشى سياحي على ضفاف النيل، جعل الزائر يشعر وكأنه في رحلة روحانية لا تُنسى.
المسجد الأثري أيقونة روحانية
شُيّد مسجد سيدي أبو مندور عام 1312 هـ / 1897 م، على أنقاض مقام قديم أُقيم تخليدًا للشيخ محمد أبو مندور، الذي تُوفي في عام 395 هـ / 1002 م.
وقد خضع المسجد لأعمال ترميم وتطوير عدة مرات، مع الحفاظ على الطراز المعماري الإسلامي القديم، الذي يجمع بين البساطة والفخامة.
وتُعد القبة الخضراء للمسجد، والمنارة البيضاء المتألقة، من المعالم المميزة التي يمكن رؤيتها من بعيد، كأنها ترحب بالقادمين إليها، خاصة مع غروب الشمس حين ينعكس نور السماء على مياه النيل خلف المسجد، في مشهد يأسر القلوب.
الزوّار.. من كل حدب وصوب
لا يقتصر ارتياد منطقة تل أبو مندور على أبناء رشيد أو البحيرة فحسب، بل يفد إليها الزائرون من محافظات مجاورة مثل؛ كفر الشيخ، والإسكندرية والغربية، بل ومن بعض دول الخليج، خاصة خلال المواسم الدينية أو الاحتفالات السنوية بمولد سيدي أبو مندور، والتي تشهد تجمعات روحية وإنشادية وابتهالات دينية تعيد للأذهان أجواء الأولياء الصالحين والزوايا العامرة بالذكر.
جمال الطبيعة على ضفاف النيل
يتميّز الموقع بكونه ربوة طبيعية مرتفعة تُطل على نهر النيل مباشرة، حيث يمكن للزائر الجلوس في ظل الأشجار أو على مقاعد الممشى، ومراقبة القوارب وهي تشق النهر في هدوء، كما أصبح المكان مقصدًا للشباب والعائلات الباحثين عن لحظة صفاء بعيدًا عن صخب المدينة.
وقد ساهم هذا الموقع الاستراتيجي في تحويل المنطقة إلى وجهة مثالية للسياحة الدينية والبيئية في آنٍ واحد، خصوصًا مع توفير الخدمات الأساسية مثل مواقف السيارات، وأماكن الجلوس، ودورات المياه، مما زاد من معدلات الإقبال بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.
أكد أحمد حباله مدير منطقة ٱثار رشيد لـ « الوفد »، أن الرحالة و المؤرخين أشاروا بأن منطقة تل أبو مندور برشيد كانت مسكونة وعامرة فى العصور الفرعونى والبطلمى والرومانى، وكانت سوقًا رائجة فى العصر الفرعونى ومركزًا لصناعة العجلات الحربية، وكانت تسمى بولبتين، وذكر ان الملك مينا موحد القطرين زحف إليها عند ثورته الأولى وأخضعها، وكان أهلها يسموا رخيتو اى عامة الشعب، وتم اندثارها بعد بناء الإسكندرية 331 ق.م، وذلك بسبب تحول التجارة عنها .
وقال حباله، أن أهالي رشيد أطلقت على منطقة تل أبو مندور بـ"كوم الأفراح" وتم تسميته بهذا الإسم نظرًا لانتصار أهالي رشيد على الحملة الانجليزية 1807م، وأقام أهالى رشيد الأفراح فى هذا المكان بعد الانتصار على الإنجليز، لأن الإنجليز كانوا قد استخدموا التل لضرب المدينة بالمدافع.
المعالم الاثرية القائمة بالتل مسجد أبو مندور
وذكر مدير منطقة ٱثار رشيد أن من أهم المعالم الاثرية القائمة بالتل حتى الٱن هو مسجد أبو مندور، ويرجع تاريخ بناؤه الى عام 1312هـ، ورصيف الميناء الأثرى جنوب المسجد والمسجلين بالقرار الوزارى رقم 17 لسنة 1987، وأعلي التل توجد مجموعتين من جبانات الدفن للمسلمين، وتستخدم هذه المقابر منذ زمن بعيد ويتم الدفن فيها حتى الآن.
وإستكمل حباله حديثه قائلًا: منطقة آثار رشيد قامت بحفائر بمنطقة تل أبو مندور عام 1987م، أسفرت عن اكتشاف زاوية البواب شمال شرق التل، كما بدأت حفائر منظمة بعد ذلك عام 1995م بأعلى التل للكشف عن أساسات قلعة أبو مندور ولم يتم العثور سوى علي بعض الأحجار وبقايا المونة واتضح أن القلعة تهدمت فى عصور سابقة.
ويضيف حباله، بأن تم الكشف فى منطقة تل أبو مندور عن مبانى مستطيلة الشكل من الطوب الأحمر كانت تستخدم كمساكن، كما تم العثور على بقايا فرن لحرق الفخار على إرتفاع خمسة أمتار وعثر بداخله على أربعين إناء كاملة الحرق، وتم الكشف فى الموقع الشرقى من ساحل النيل على مجموعة من المبانى المتكاملة يفصل بينها ممر ضيق وتشكل هذه المجموعة تجمع حضرى على ساحل النيل ملحق به مخازن وغرف إقامة ومدافن، وعثر بداخل المبانى على مجموعة من الجرار والامفورات والمسارج وكميات كبيرة من العملات البرونزيه من العصر الإسلامي حتى البيزنطى.
وأشار مدير منطقة ٱثار رشيد بأنه تم الكشف عن حصن وسور من العصر الروماني والبيزنطي وحي سكني اموي وبازيليكا ترجع للقرن السادس الميلادي.
وشهدت منطقة تل أبو مندور، أحداث مقاومة أهالى رشيد فى حملة فريزر الثانية على رشيد بعد فشل الحملة الأولى وانتصر فيها شعب رشيد والمقاومة وجنود محمد على باشا على الانجليز .
وشهدت منطقة تل أبو مندور أعمال تطوير وتنمية ضمن خطة وضع رشيد على الخريطة السياحية تنفيذًا لتكليفات الرئيس عبدالفتاح السيسي التي أصدرها ضمن توصيات مؤتمر الشباب بالإسكندرية خلال شهر يوليو 2017، وقامت وزارة السياحة بتطوير منطقة تل أبو مندور، وتمثلت أعمال تطوير المنطقة فى رصف الجزء المتبقي من طريق الكورنيش أمام مسجد أبو مندور بطول 200 متر مع عمل نيو للطريق على جانب الطريق لحماية تل أبو مندور الأثري، وتركيب أعمدة إنارة على الطريق وكذلك عمل بلاطات خرسانية حول محيط المسجد وتطوير المسجد والسور الأثري مع عمل سور حديدي أمام المسجد على النيل بتكلفة إجمالية 3,2 مليون جنيه.
رسالة للمستقبل
تل أبو مندور لم يعد فقط مزارًا لأولياء الله الصالحين أو موقعًا أثريًا فريدًا، بل أصبح رمزًا لإحياء التراث وتوظيفه في تنشيط السياحة المحلية، وتحمل التجربة درسًا هامًا في كيفية تحويل الأماكن المنسية إلى نقاط جذب حضارية واقتصادية، إذا ما توافرت الإرادة والتخطيط والرؤية.
واليوم أصبحت منطقة تل أبو مندور مقصدًا للسياحة الداخلية بمحافظة البحيرة، بل أصبحت متنفسًا ومقصدًا للسياحة الداخلية بمحافظتى البحيرة وكفر الشيخ، وتشهد منطقة التل بتوافد العديد من الرحلات المدرسية والجامعية والوفود الأجنبية من جميع أنحاء العالم، وكذلك وفود الأهالى والمصطافين من محافظات جمهورية مصر العربية للاستمتاع بالطبيعة الخلابة المحيطة بتل أبو مندور وأعلاه، فالأهالى والمصطافين يستمتعون بركوب المراكب النيلية واللنشات، وممارسة هواية الصيد من على شاطئ النيل الذى يطل عليه تل أبو مندور.










