رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

رؤية

منذ سقوط نظام بشار الأسد، حاولت القيادة الجديدة فى سوريا أن تتبنى نبرة أكثر تصالحاً مع الكيان الإسرائيلى، بهدف تفادى العداء المستمر طوال عقود. لكن إسرائيل كعادتها لا ترى فى دول الجوار إلا أعداء مهما مدوا أيديهم بالسلام، ولا ترضى إلا بخضوعهم الكامل لجبروتها.

وقد شنت طائرات الاحتلال الإسرائيلى أمس، هجوماً عنيفاً على مواقع داخل دمشق والسويداء، كان أبرزها استهداف مبنى هيئة الأركان فى قلب العاصمة، إضافة إلى مطار الثعلة جنوباً. كانت التبريرات الإسرائيلية الجاهزة هى «الدفاع عن الدروز»، أو «منع تهديد محتمل»! لكن الحقيقة التى يراها المراقبون بوضوح هى أن إسرائيل لا تسمح لأى طرف بمحاولة ترميم نفسه وبناء دولته التى دمرتها الصراعات، وتريد أن تكون وحدها المتحكمة والحاكمة للمنطقة.

هذه الغارات الإسرائيلية على سوريا ليست رسالة أمنية، بل إعلان سياسى صريح هو: «لا نريد سلاماً، لا نريد سوى الخضوع التام، ومن لا يطيع، سنقصفه». وقد أصبح من الواضح والمؤكد أن إسرائيل لا تريد دولاً قوية حولها، بل كيانات هشة ومنقسمة، تطلب الرضا وتخشى الغضب. ولذلك، لا تهتم بأن القيادة السورية الجديدة مختلفة عن سابقتها، وأعربت أكثر من مرة فى تصريحات رسمية عن رغبتها فى العيش بسلام.

إن أى مراقب لتاريخ إسرائيل، يجد أنها لم تكن يوماً دولة سلام. إنها تنتهك كافة المواثيق، وتغتال كل من يتحدث بلغة القانون. لقد قدم العرب لإسرائيل مبادرات عديدة منذ سبعينيات القرن الماضى، تضمنت عروض السلام مقابل الأرض، ثم السلام بلا مقابل تقريباً، لكنها ظلت تعتقد أن القوة وحدها تكفى، وتتجاهل حقيقة أن من يملك القوة قد يملك السيطرة، لكنه لا يملك الشرعية.

والحقيقة أن غطرسة إسرائيل ليست مؤشراً على الثقة، بل على الخوف. إنها تعلم أن أى مشروع وطنى أو إقليمى قد يوقف أطماعها أو يهدد وجودها نفسه، ولذلك فإن سلوكها العدوانى ضد بلدان المنطقة كما نراه فى الإبادة الوحشية لأهالى غزة على مدى عامين ورأيناه فى قصف سوريا أمس، لا يمكن تفسيره إلا من منطلق الذعر. إنها لا تقابل اليد الممدودة لها بالسلام إلا بالقطع أو القصف!

رغم ذلك كله، فإن التاريخ لا يرحم الغطرسة، ومن المستحيل بناء الشرعية بالبنادق. قد تطول سطوة القوة، وقد يستمر قمع الأصوات التى ترفض الهيمنة الصهيونية، لكن لا شىء يدوم خارج القانون والعدالة. إسرائيل، بهذا السلوك، تحفر لنفسها خندق العزلة، وتؤكد للعالم أنها لا تريد أن تكون «دولة طبيعية» بين دول، بل كيان استعمارى وحشى مهما ادعى أنه صاحب حق أو أنه واحة ديمقراطية.

والخلاصة أن من يسعى إلى السلام الحقيقى أقوى من الذين يملكون الطائرات والصواريخ، لأن القوة إلى زوال مهما طال الزمن.