«إنما الأدب هو عقل غيرك تضيفه إلى عقلك». (الجاحظ)
الكتاب هو أفضل وسيلة لدينا للسياحة فى فضاءات الثقافات الأخرى والأزمنة الماضية. مع نسائم الصيف التى تحمل وعدًا بالفراغ والتأمل، تبقى للقراءة سحرها الخاص: ذاك الجسر السريّ الذى ينقلنا من ضجيج اليوم إلى عوالم لم نعهدها من قبل. وفى مبادرة ملهمة، سألت مجلة هارفارد جازيت (24-6-2025) موظفى مكتبة هارفارد أن يشاركوا القراء اختياراتهم من الكتب المفضلة. هذه الرحلة لا تقتصر على الروايات وحدها، بل تمتدّ إلى الفانتازيا، والمذكرات، والنصوص الفكرية، فى مائدة أدبية متنوعة الأطباق، تغذى شغف الإنسان بالدهشة والتساؤل والمعنى.
فى عالم الرواية، نجد نصوصًا تتحدى المألوف وتعيد رسمه: رواية لو كنّا أشرارًا If We Were Villains بقلم M.L. Rio التى تمزج سحر شكسبير بجريمة غامضة، لتؤكد أن المسرح ليس خشبةً فحسب، بل قلبٌ يخفق بالأسرار. أو حيث تلتقى الغابة بالنجوم Where the Forest Meets the Stars حيث طفلة غامضة تهبط من كوكب مجهول باحثةً عن خمسة معجزات، فتثير فى القارئ فضولًا لا ينطفئ.
أما الفانتازيا، فتهمس لنا بحكايات تستدرج روح الطفل الكامن فينا؛ مثل حكّاءة الحظوظ الصغيرة The Teller of Small Fortunes التى تروى قصة أسرة يجمعها اللطف لا الدم، ممزوجةً بنكهة السحر. وكذلك قلب القرش: قصة حب Shark Heart: A Love Story حيث يتحول إنسان تدريجيًا إلى حيوان، فى نصّ شعرى يتأرجح بين الغرابة والرهافة.
وفى المذكرات، نطلّ على أرواحٍ تصنع مجدها بصدق التجربة؛ نقرأ فى مع الظلمة جاءت النجوم With Darkness Came Stars سيرة فنانة تنقلت بين التعبير التجريدى والنحت، وفى البيت الأصفر The Yellow House حكاية بيت يصبح ذاكرةً لعائلة وصورةً لوطنٍ صغير يسكن القلب طوال أعوام الغربة.
أما الكتب غير الروائية، فتزيح ستارًا عن أسئلة كبرى: فى بالو ألتو: تاريخ كاليفورنيا والرأسمالية والعالم Palo Alto: A History of California, Capitalism, and the World يشرح مالكوم هاريس كيف صاغ التاريخ وادى السيليكون كما نعرفه اليوم؛ بينما تمنحنا نحن أحرار لنغيّر العالم We Are Free to Change the World: Hannah Arendt’s Lessons in Love and Disobedience دروسًا ملهمة من فكر حنة آرنت فى مواجهة الاستبداد وبناء الأمل.
هكذا، لا تُقدَّم هذه القائمة بوصفها عناوين جامدة، بل كبوابات إلى فضاءات جديدة من الخيال والتأمل والتاريخ الإنساني؛ تهمس للقارئ: اقرأ لتسافر، اقرأ لتسائل، واقرأ لتتذكّر دومًا أن الكتاب ظلٌّ لا يفارق صاحبه لا فى حر الصيف ولا فى برد الشتاء.
إنها دعوة صادقة من مكتبة هارفارد إلى كل قارئ عربى: افتح كتابًا هذا الصيف، فقد يكون بداخله عالمٌ كامل لم يخطر ببالك أن تزوره يومًا.