مسجد الرفاعي.. جوهرة معمارية ومثوى ملوك مصر

يقف جامع الرفاعي شامخًا في قلب القاهرة، ليس فقط كأحد رموز العمارة الإسلامية المبهرة، بل كمقصد سياحي وروحي يحمل بين جنباته عبق التاريخ ومقام الأولياء ورفات الملوك. يُعرف بين العامة باسم "مسجد العائلة المالكة"، وهو أيضًا مدفن لعدد من ملوك وأمراء مصر، حتى أنه خُلد على العملة المصرية فئة الـ10 جنيهات تقديرًا لمكانته التاريخية والدينية.
تحفة معمارية استغرق بناؤها 40 عامًا
يقع المسجد في حي الخليفة، جنوب القاهرة، ويجاور قلعة صلاح الدين الأيوبي، ما يزيد من قيمته السياحية والتاريخية. تم بناؤه على مدى أربعة عقود، بتكليف من خوشيار هانم والدة الخديوي إسماعيل، التي أرادت تشييد مسجد ضخم يليق بمكانة العائلة الملكية. وقد تم استيراد العديد من مواد البناء من أوروبا خصيصًا لهذا المشروع، ليخرج المسجد في نهاية المطاف تحفة معمارية نادرة.
من زاوية الرفاعي إلى مسجد ملوك مصر
كان الموقع في الأصل يُعرف بـ**"زاوية الرفاعي"**، وكان يضم مدفن الشيخ علي أبي شباك الرفاعي، أحد أحفاد الشيخ أحمد الرفاعي، وهو أحد الأقطاب الصوفية الكبار الذين عاشوا في العراق. ومع بناء المسجد الحالي، أُطلق عليه اسم جده الروحي تكريمًا له، رغم أن أحمد الرفاعي نفسه دُفن في العراق.
وبُني المسجد في القرن التاسع عشر ليُضاهي في فخامته جاره المقابل مسجد السلطان حسن، الذي يعود تاريخه إلى القرن الرابع عشر، ما جعلهما يشكلان معًا مشهدًا عمرانيًا فريدًا وسط القاهرة القديمة.
مقام للقديسين وملاذ للملوك
إلى جانب القيمة الروحية، يضم المسجد مقابر عدد من رموز العائلة الملكية في مصر، بينهم الخديوي إسماعيل، ووالدته خوشيار هانم، والسلطان حسين كامل، والملك فؤاد الأول، والملك فاروق، آخر ملوك مصر. كذلك يحتضن مقابر أولياء من بينهم الشيخ يحيى الأنصاري وعلي أبي شباك.
ويُكتب على أحد جدران المسجد:
«تم بعناية الله تعالى هذا المسجد الشريف، مسجد العارف بالله السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه، حسبما صدر به أمر وليّ النعم، الجناب العالي خديوي مصر المعظم عباس حلمي الثاني».
فن مملوكي بروح القرن التاسع عشر
يمثل مسجد الرفاعي مزيجًا فنيًا بديعًا يمزج بين الطراز المملوكي والطابع الأوروبي في البناء، ويشبه في تصميمه بعض الكنائس الكبرى مثل آيا صوفيا وكاتدرائيات روما، حسبما يؤكد خبراء آثار. أما محرابه الخشبي المزخرف، فيُعد قطعة فنية نادرة تعكس روعة الزخرفة الإسلامية في القرن التاسع عشر.
شعائر ومواسم روحية
رغم أن الشيخ أحمد الرفاعي مدفون في العراق، إلا أن مولده يُحتفل به سنويًا في المسجد، ويجتذب الآلاف من الزوار والمحبين والمتصوفة من مختلف المحافظات، في مشهد يرسّخ روحانيات المكان وارتباط المصريين بتاريخهم وتراثهم الديني.