رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري


منذ اندلاع الحرب في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل ٢٠٢٣، يعيش الشعب السوداني واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية والسياسية في تاريخه الحديث. فالمعارك المتواصلة أوقعت آلاف القتلى وشردت الملايين، وقوّضت مؤسسات الدولة، وهددت وحدة البلاد واستقرارها. في ظل هذا المشهد المعقّد، يطرح الكثيرون سؤالاً جوهرياً: هل يمكن أن تحدث تسوية حقيقية تنهي الحرب في السودان؟

تعيش السودان اليوم في قلب حرب أهلية معقّدة اندلعت بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي). بعد مرور أكثر من عامين لا تبدو نهاية هذه الحرب وشيكة، بل تشير التطورات الأخيرة إلى أن النزاع يتجه نحو مزيد من التعقيد والانقسام وربما حتى التقسيم الفعلي للبلاد.

بدأت الحرب بصراع على السلطة في الخرطوم لكنها سرعان ما امتدت لتشمل مناطق واسعة من دارفور وكردفان والنيل الأبيض وجنوب السودان، مخلّفة مئات آلاف القتلى وأكثر من ثلاثة عشر مليون نازح، في أسوأ أزمة إنسانية في تاريخ السودان الحديث. نجح الجيش في استعادة مناطق استراتيجية مثل العاصمة الخرطوم الكبرى (الخرطوم، بحري، وأمدرمان) ومدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، لكنه لم يتمكّن من تحقيق حسم نهائي، بينما واصلت قوات الدعم السريع سيطرتها على مساحات كبيرة في الغرب ولا سيما في إقليم دارفور.
 


حتى الآن، تشير المؤشرات الميدانية إلى أن كلاً من طرفي النزاع – الجيش والدعم السريع – لا يزالان يراهنان على الحسم العسكري، رغم أن الواقع يبرهن على استحالة الانتصار الكامل لأي منهما. فالدعم السريع لا يزال يسيطر على معظم إقليم دارفور: ٤ من أصل ٥ ولايات (الوسطى، الجنوبية، الشرقية، والغربية) بينما يسيطر الجيش على شمال دارفور فقط: عاصمة الولاية "الفاشر". علاوة على ذلك، يحتفظ الجيش بوجوده القوي في ولايات الشرق والشمال والوسط، خاصة بعدما أعلن في ٢٠ مايو ٢٠٢٥ استعادة ولاية الخرطوم بالكامل بعد معارك ضارية. وبين هذين الطرفين، تتفاقم معاناة المدنيين الذين يقعون ضحية للانتهاكات والنزوح والجوع، والفقر والمرض وانهيار البنية التحتية والخدمات الصحية.

على المستوى السياسي ازدادت الصورة قتامة مع إعلان قوات الدعم السريع في ١٥ أبريل ٢٠٢٥ تشكيل حكومة موازية باسم حكومة "السلام والوحدة" وتحالف سياسي جديد تحت مسمى "تأسيس" باعتباره تحالفًا مدنيًا واسعًا يمثل "الوجه الحقيقي للسودان"، في تحدٍّ صريح للجيش والحكومة الانتقالية التي يدعمها. حيث تم توقيع ميثاق سياسي ودستور انتقالي خلال لقاءات في نيروبي في فبراير ومارس ٢٠٢٥. يشمل بنية لامركزية، ومجلس رئاسي مؤلف من ١٥ عضوًا يمثلون الأقاليم، وجيش موحّد، مع إعلان نية إصدار عملة جديدة وآليات لتقديم الخدمات في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع. بالرغم من أن هذه الخطوة لا تزال غير معترف بها دوليًا، إلَّا أنها تُعد جزءًا من رؤية لحكومة موازية تمثل فصل سياسي وإداري عن حكومة "بورتسودان" التابعة للجيش. إذ يُسارع ذلك في تعقيد النزاع ويثير قلقًا حقيقيًا حول احتمال تقسيم السودان إلى إدارات موازية تخضع لمناطق النفوذ.

وفي المقابل، يتمسّك الجيش بخيار الحسم العسكري رافضًا أي مفاوضات قبل انسحاب قوات الدعم السريع من المدن وتسليم أسلحتها. هذا الإصرار على الحل العسكري من طرف والتمسك بالمقاومة المسلحة من الطرف الآخر جعل أي أفق لتسوية سياسية شاملة يبدو بعيد المنال.

العوامل الخارجية تزيد الوضع تعقيدًا حيث تُتهم دول مثل الإمارات بدعم قوات الدعم السريع، بينما تشير تقارير إلى دعم إيراني للجيش السوداني فضلًا عن الضغوط الدولية من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية ومحاولات الوساطة التي لم تُحدث حتى الآن اختراقًا ملموسًا.

المشهد الحالي يُنذر بإطالة أمد الحرب لأشهر وربما سنوات ما لم يحدث تحوّل جوهري في موقف أحد الطرفين أو تدخل إقليمي ودولي أكثر فعالية. السيناريوهات المحتملة تدور بين ثلاث عوالم مفتوحة: استمرار الحرب لفترة طويلة مع تفاقم المعاناة الإنسانية، أو حسم عسكري غير مكتمل يفرض واقعًا جديدًا لكنه لا يحقق سلامًا شاملًا، أو الدخول في مفاوضات سياسية تُفضي إلى اتفاق هَشّ يوقف القتال دون حلّ الأزمة ومعالجة جذور النزاع العميقة.

رغم إعلان الجيش استعداده لتوسيع عملياته العسكرية وتلميحات قادة الدعم السريع بإمكانية القتال لعقود، إلَّا أن الواقع على الأرض يشير إلى أن الحسم العسكري الشامل صعب المنال في ظل توازن القوة على الأرض وتداخل العوامل القبلية والجغرافية. لذلك تبقى نهاية الحرب في السودان مرهونة بإرادة الأطراف السودانية أولًا، ثم بمدى جدية الفاعلين الإقليميين والدوليين في الضغط باتجاه حل سياسي يضمن وقف القتال وإعادة بناء الدولة السودانية على أسس جديدة تتجاوز الانقسامات العرقية والسياسية الواسعة التي فجّرت هذا الصراع المدمر.
لا شك أن الحرب في السودان دخلت منعطفًا خطيرًا يهدد بتمزيق البلاد وتحويلها إلى ساحة للفوضى والنزاعات والصراعات المُزمِنَة. لكن إذا توفرت الإرادة السياسية، وضغط المجتمع الدولي بجدية، وتم تقديم تنازلات متبادلة، فإن التسوية تظل ممكنة، بل وضرورية، ليس فقط لوقف الحرب، بل لإنقاذ السودان من الانهيار الكامل وبناء دولة مدنية ديمقراطية تعيد للسودانيين أملهم في وطن آمن ومستقر.