رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

في فجر ٢٢ يونيو ٢٠٢٥، أقدمت الولايات المتحدة على تنفيذ عملية عسكرية جوية نوعية ضد منشآت نووية إيرانية تحت اسم "عملية المطرقة". هذه الضربة التي وُصفت بأنها الأوسع نطاقًا منذ سنوات، فتحت الباب واسعًا أمام تساؤلات حول أهدافها الحقيقية، ومدى فاعليتها، وتأثيرها الاستراتيجي على البرنامج النووي الإيراني. فهل نجحت واشنطن في تدمير البنية النووية لطهران؟ أم أنها كررت مشهد التعطيل المؤقت الذي سرعان ما يتجاوزه الإيرانيون كما حدث في السابق؟

 

استهدفت الضربات الأمريكية ثلاث منشآت نووية رئيسية: نطنز، وفوردو، وأصفهان. وجاءت بعد ذلك تقارير استخباراتية تحدثت عن اقتراب إيران من تخصيب اليورانيوم بنسبة ٩٠٪ "درجة تصنيع سلاح نووي"، وهو ما اعتُبر خطًا أحمرَ لدى واشنطن وتل أبيب.

 

في بيانه، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "أن العملية نجحت في تدمير شامل لقدرات إيران النووية". لكن هذا التصريح قوبل بتشكيك فوري من داخل المؤسسات الاستخباراتية الأمريكية، واعتُبر أقرب إلى خطاب انتخابي منه إلى توصيف واقعي، خاصة بعد تأكيد صور استخباراتية منشورة قيام إيران بنقل نحو ٤٠٠ كيلوغرام من اليورانيوم المخصب من منشآتها النووية قبل الضربات الأمريكية.

 

رغم القوة النارية المستخدمة بما في ذلك قنابل ضخمة خارقة للتحصينات، إلَّا أن التقارير اللاحقة من وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية والأقمار الصناعية المستقلة أظهرت أن الضربة التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية "ألحقت أضرارًا كبيرة بتلك المواقع، لكنها لم تؤد إلى تدمير كامل لها". حيث تضررت الأجهزة الحساسة وأجهزة الطرد المركزي المتطورة في "نطنز"، لكن البنية التحتية لم تُمحَ بالكامل. في حين صمدت جزئيًا منشأة "فوردو" المحصّنة تحت الجبل على عمق يتراوح ما بين ٨٠ و٩٠ مترًا، رغم وصول القنابل إليها، إلَّا أن الهيكل الداخلي لم يُدمر بالكامل. وأفادت التقارير أن معظم اليورانيوم عالي التخصيب تم نقله إلى مكان غير معلن قبل الهجوم الأمريكي. أما منشأة "أصفهان"، فقد عانت من أضرار "مؤقتة"، إذ أكدت التقارير أن المكونات الأساسية مثل أجهزة الطرد المركزي والمخزونات قد تم نقلها إلى مواقع آمنة قبل القصف. أم المؤشر الحاسم، فهو غياب أي تسرب إشعاعي في الغلاف الجوي، وهو ما يحدث في حال تدمير مخازن اليورانيوم، ما يشير إلى أن المنشآت الحساسة لم تتضرر بشكل جوهري وأن الضربة أخفقت في تحقيق غايتها الكبرى.

 

علاوة على ذلك، أشارت التقديرات الاستخباراتية إلى تأخير البرنامج النووي الإيراني لبضعة أشهر، من دون تدمير مكوناته الرئيسية، حسب مدى فعالية عمليات إعادة الإعمار الإيرانية. إذ وفقًا لنيكولاس ميلر، المتخصص في قضايا الانتشار النووي: "إنه إذا بقى المخزون سليمًا واستطاعت إيران الحفاظ عليه، فقد تستخدمه في منشأة سرية جديدة للتخصيب، ما يمكنها من إنتاج مواد تكفي لصنع عدة رؤوس نووية في غضون أشهر قليلة".

 

كما رجّح رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تتمكن إيران من البدء بإنتاج يورانيوم مخصب "في غضون أشهر" رغم الأضرار التي لحقت بمنشآتها النووية. وذكر أن "إيران دولة متطورة جدًا من حيث التكنولوجيا النووية". وأشار إلى صعوبة تحديد حجم الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية إلَّا بعد زيارتها.

بمعنى آخر، ما جرى هو إعاقة لا شلل، وتأخير لا تدمير. فيما توقع كثيرون ردة فعل عنيفة من طهران، إلَّا أن الرد الإيراني جاء محدودًا عبر قصف صاروخي دقيق على قاعدة "العُديد" الأمريكية في قطر، لم يسفر عن أي خسائر تُذكر.

 

كانت الرسالة الإيرانية واضحة ومفادها أن الرد سيكون محسوبًا لتفادي حرب شاملة، مع تركيز على استئناف البرنامج النووي بهدوء وسرعة.

إذ تشير التجربة إلى أن الضربات العسكرية على المنشآت النووية لا تنهي المشاريع النووية، بل تحفز الدول المُستهدفة على تطويرها بسرية وبسرعة أكبر. هذا ما حدث مع العراق في ١٩٨١، ومع سوريا في ٢٠٠٧، ويبدو أنه يتكرر مع إيران في ٢٠٢٥. 

 

حيث تمتلك إيران اليوم: شبكة منشآت موزعة تحت الأرض، قدرات فنية تراكمية منذ عقود طويلة، موارد بشرية مؤهلة بالرغم من اغتيال عدد كبير من علماءها النوويين، ودعم شعبي نسبي لامتلاك قدرات ردع نووية، خاصة في ظل البيئة الإقليمية المتوترة. 

 

من الناحية الاستراتيجية، قد تمنح الضربة أمريكا وإسرائيل مهلة زمنية إضافية لمواجهة الملف النووي الإيراني، لكنها لم تُنهِ التهديد بشكل نهائي. والأخطر أنها قد تدفع إيران نحو تصنيع سلاح نووي فعلي كردع حازم ضد التهديدات الخارجية، كما حصل مع كوريا الشمالية بعد غزو العراق. خاصة بعد تصويت مجلس الشورى الإيراني على مشروع قانون لتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما رفضت طهران طلب غروسي زيارة المواقع المتضررة، وبالأخص منشأة فوردو النووية.

 

 

أما على الصعيد الدولي، أثارت الضربة انتقادات من عدة دول أوروبية، بالإضافة إلى روسيا والصين، معتبرين إياها انتهاكًا للشرعية الدولية، خاصة في ظل غياب قرار أممي يُجيزها ويدعمها. إن الهجمات الأمريكية ضد البرنامج النووي الإيراني لم تكن مصيرية، بل أقرب إلى "ضربة سياسية رمزية قوية" منها إلى "إجراء عسكري حاسم".

 

إذ يتمثل التأثير الحقيقي على الأرض في عرقلة مؤقتة للبرنامج النووي، دون أن يُستبعد أن تعود إيران لتخصيب اليورانيوم بسرعة أكبر وبدوافع أقوي. وبين ضربة أمريكية غير مكتملة، ورد إيراني محسوب، تظل المنطقة على صفيح نووي ساخن قابل للاشتعال في أية لحظة.