صندوق النقد: الاقتصاد السعودي متماسك رغم التحديات ولا حاجة لإجراءات تقشفية

أكد صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد السعودي يواصل إظهار قدرة ملحوظة على الصمود أمام الصدمات الخارجية، مستفيداً من النمو القوي في القطاعات غير النفطية والتراجع التاريخي في معدلات البطالة، رغم تسجيل عجز مزدوج في الميزانية والحساب الجاري نتيجة لانخفاض أسعار النفط وارتفاع فاتورة الواردات الاستثمارية.
وفي تقرير بعثة مشاورات المادة الرابعة، الصادر امس الخميس، أشار الصندوق إلى أن الطلب المحلي، وخاصة الناتج عن المشاريع الحكومية، سيظل محركاً رئيسياً للنمو، حتى في ظل أجواء عالمية تتسم بالغموض وتراجع أسعار السلع. وأضاف أن التوسع في الإنفاق الحكومي لا يثير القلق، بل يُعد ضرورياً لتجنب سياسة مالية انكماشية قد تُبطئ وتيرة التعافي، معتبراً أن تقليص الإنفاق في عام 2025 ليس ضرورياً في المرحلة الحالية.
ويتوقع التقرير أن يبلغ عجز المالية العامة ذروته عند 4.3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، قبل أن يتراجع تدريجياً إلى نحو 3.3% بحلول نهاية العقد، بدعم من ضبط النفقات وزيادة الكفاءة.
عجز مزدوج... لكن تحت السيطرة
سجّل الحساب الجاري تحولاً من فائض نسبته 2.9% في عام 2023 إلى عجز متوقع يبلغ 0.5% في 2024، بفعل تراجع إيرادات النفط وارتفاع استيراد المعدات. ورغم ذلك، أشار الصندوق إلى أن احتياطيات السعودية من النقد الأجنبي لا تزال قوية، وتكفي لتغطية أكثر من 15 شهراً من الواردات.
وفي جانب الدين العام، أظهرت السعودية أداءً لافتاً، إذ باتت أكبر دولة ناشئة مصدّرة للسندات الدولارية خلال 2024، مع بقاء نسبة الدين العام منخفضة عند حدود 17% من الناتج المحلي. وأوضح التقرير أن الحكومة ستعتمد على الودائع والتمويل الخارجي لتغطية العجز، مشيراً إلى أن الأصول الخارجية لدى صندوق الاستثمارات العامة تشكل هامش أمان مالي كبير.
نمو قوي للقطاعات غير النفطية
سجّل الناتج المحلي غير النفطي نمواً بنسبة 4.4% في 2024، مدعوماً بالطلب المحلي واستثمارات القطاع الخاص، وبرزت قطاعات مثل تجارة التجزئة والضيافة والبناء في صدارة النمو. وتشير التقديرات إلى أن النمو غير النفطي سيبلغ 3.4% هذا العام، مع توقعات بارتفاعه إلى 4% في 2027، بدعم من المشاريع الحكومية المستمرة.
أما النمو الكلي للناتج المحلي، فسيستفيد من الجدول الزمني لتخفيف قيود إنتاج النفط ضمن اتفاق "أوبك+"، ما سيدفعه إلى الارتفاع إلى 3.5% في 2025 و3.9% في 2026، قبل أن يستقر عند 3.3% على المدى المتوسط.
استدامة مالية على المدى الطويل
شدد التقرير على أهمية تنفيذ إصلاحات مالية تدريجية لضمان استدامة الإنفاق وعدالته بين الأجيال، مقدراً حاجة المملكة إلى توليد إيرادات إضافية تعادل 3.3% من الناتج المحلي غير النفطي خلال الفترة 2026-2030. وتشمل الاستراتيجية المقترحة ثلاث ركائز رئيسية:
تعزيز الإيرادات غير النفطية من خلال رفع ضرائب الأراضي البيضاء، وتوسيع نطاق ضريبة القيمة المضافة، خاصة في مجال التجارة الإلكترونية، وتحسين كفاءة التحصيل الضريبي.
تقليص دعم الطاقة، في ضوء تقارب الأسعار المحلية مع العالمية، وتسريع خطوات تحرير أسعار الوقود، لا سيما البنزين، مع تعزيز شبكات الحماية الاجتماعية.
ترشيد النفقات الجارية منخفضة العائد، دون المساس بالاستثمارات الرأسمالية التي تدعم النمو على المدى المتوسط، إلى جانب تعزيز الشفافية في أولويات الإنفاق.
زخم في سوق العمل وتراجع في التضخم
أشاد الصندوق بتراجع معدل البطالة في السعودية إلى 7% خلال 2024، وهو أدنى من المستهدف في "رؤية 2030"، مع انخفاض كبير في بطالة الشباب والنساء. وأشار إلى أن الحكومة تسعى حالياً لتحقيق هدف جديد يتمثل في خفض البطالة إلى 5%.
وعلى صعيد الأسعار، استمر التضخم في نطاقه المستهدف، حيث بلغ 2.3% في أبريل 2025، بدعم من استقرار أسعار الفائدة ومرونة سوق العمل. وسجّل تضخم إيجارات المساكن تباطؤاً ملحوظاً للشهر السادس على التوالي، ما ساهم في استقرار الأجور الحقيقية رغم بعض الارتفاع في رواتب العمالة الماهرة.
واختتم الصندوق تقريره بالتأكيد على أن ربط الريال السعودي بالدولار يظل ركيزة أساسية للاستقرار النقدي، متوقعاً بقاء التضخم المستورد تحت السيطرة رغم التوترات العالمية في سلاسل التوريد والتجارة.