رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

ونس الدكة

نحن الآن فى عام 1798 والطريق إلى الجامع الأزهر محفوف بالمخاطر مما يجعل كل مجاهد يسلك الحوارى والعطوف المؤدية إليه تاركاً الشارع الرئيسى جهة المسجد الحسينى مهجوراً.. قاهرة المحروسة على صفيح ساخن من الغريب القادم «بونابرته» بسفينته «أورينت» ومعناها الشرق واسطوله المحمل بالعتاد والأسلحة ورهط من العلماء والباحثين.. الكل متحمس للقاء الشيخ « الجوسقى» الذى ولد كفيفاً وتعلم بالأزهر وأصبح شيخاً لطائفة المكفوفين واستطاع ببراعة إدارة أوقاف المكفوفين وأموالهم وصنعت لهم فائضا من الأموال مكنته من الحصول على الكثير من النفوذ.
طلبة.. أفندية.. طلاب أزهريين.. تجار.. الكل يتحلق حول الشيخ الجوسقى الملقب «بسلطان العميان» وهو يخطب بصوت جهورى نابع من ثنايا القلب مشجعاً ومحفزاً على الصمود وداعياً الخلايق إلى قتال المحتلين حتى النهاية.
يسجل المؤرخ المصرى الشهير الجبرتى بعضا مما قاله فى هذه الخطبة التاريخية الفارقة والتى كانت بمثابة الشرارة التى ألهمت المصريين للقيام بثورتهم القاهرية الأولى على الفرنساوية فيقول: «إنكم بشر مثلكم مثلهم، فاخرجوا إليهم فإما أن تبيدوهم أو يبيدوكم»، لم يكتف «الجوسقى» بالخطابة فى الجامع الأزهر بل قرر استخدام جيشه من العميان فى مقاومة الحملة الفرنسية، فجهز جيشه لمواجهتهم، وأمر باستخدام جميع الأسلحة الممكنة للمقاومة، وطلب من المصريين «أن يتحصّنوا ويتسلّحوا بكل ما يقع تحت أيديهم من أنواع السلاح، من الحجارة والعصيّ والسكاكين والفؤوس، وما إلى ذلك من أنواع السلاح»، وكان يرسل أتباعه من جيش العميان إلى الوجهاء والمشايخ وزعماء المدن والقرى ووطنه، وجعل العميان يتسولون أمام حانات الخمور التى كانت للفرنسيين وبحجة التسول كانوا يصيحون «لله يا محسنين»، فيأتى الجندى الفرنسى سكران ويعطيه المال فعندما يمسك بيد الفرنسى يشدها إليه ويعطيه طعنة ويلوذ بالفرار.
أخرج الجوسقى ما لديه من مال وكان ثريا واشترى السلاح ووزعه على الناس ويذكر المؤرخون: «أن الجوسقى كان يشق القاهرة بحماره ليتفقد المتاريس والحصون ويتفقد احتياج المجاهدين للسلاح ويأمر بإرسال السلاح والمؤن إلى الأماكن التى تحتاج إليها وينفق فى ذلك عن سعة»، وكان الجوسقى هو كلمة السر وراء الكثير من عمليات اغتيال العسكر الفرنساوية.
عندما توصل نابليون إلى أن «الجوسقى» وراء هذه الاغتيالات أمر بالقبض عليه، وحاول استمالة الشيخ، فقدم له العديد من العروض التى رفضها وقابلها بالاستهزاء، إلى أن قدم له العرض الأكبر، وهو أن يجعله سلطانا على مصر، فأظهر الشيخ قبولا للعرض، ومد نابليون يده إليه متنفسا الصعداء، ومد الشيخ يده اليمنى مصافحا إياه، وكانت المفاجأة أن رفع يده اليسرى ليصفع الأوروبى العظيم صفعة قوية على وجهه لا ينساها، وسجل الأديب الكبير على أحمد باكثير هذا الموقف فى مسرحيته «الدودة والثعبان»، وأورد على لسان هذا البطل قوله: «معذرة يا بونابرته هذه ليست يدى.. هذه يد الشعب»، فجن جنون نابليون وأمر بقتل الرجل وإلقاء جثته فى النيل.
تم اقتياده بواسطة عساكر الفرنسيين إلى سجن القلعة لاستجوابه ومحاكمته، تم إعدام الشيخ الجوسقى عام 1798 عقب إخماد ثورة القاهرة الأولى، وقد اختلف المؤرخون حول وفاته، بعض المصادر قالت بأنه تم إعدامه بالشنق مع علماء الأزهر الستة الذين أمر نابليون بإعدامهم، ومصادر أخرى قالت بأنه تم إلقاؤه من فوق القلعة. بينما فى أقوال أخرى إنه بعد صدور حكم الإعدام لم يتم تنفيذه لكونه كفيفاً وظل فى السجن عدة شهور حتى توفى.
تحولت قصة «كف الجوسقى» إلى قصة شعبية ألهمت عشرات المبدعين الذين تناولوا شخصية وسيرة الجوسقى، ففى فيلمه (وداعاً بونابرت) قدم المخرج الراحل يوسف شاهين الجوسقى باعتباره قائد تنظيم سرى يعد للثورة المسلحة ضد الفرنسيين، وقدمها الممثل الراحل صلاح ذوالفقار باسم الشيخ حسونة.
وبرز اسمه أيضاً فى مسلسل (نابليون والمحروسة) الذى انتج عام 2012 من إخراج التونسى «شوقى الماجرى»، حيث برز أيضاً اسم الشيخ الجوسقى ضمن أحداث المسلسل كقائد للمكفوفين ولكل البسطاء من أبناء الأزهر بشكل عام، حيث يلتفون حوله وحول قيادته رافضين القيادات الأزهرية الأخرى التى هادنت الفرنسيين.
وأخيراً تلك حدوته أشهر صفعة تلقاها القائد الفرنسى «نابليون» على يد شيخ ضرير من أبناء المحروسة، لم تنل من الشهرة الكثير، لكنها كانت الصفعة التى كسرت كبرياء المحتل وجعلت حملته تفشل بعد ثلاث سنوات فقط من العيش فى جحيم مقاومة المصريين.