تفرض الحرب آثارها ونتائجها على غير المتحاربين، فيدفعون الثمن كسادا وتباطؤًا وتضخمًا، وهو ما يُحتّم على الدول الحديثة اعداد سيناريوهات متوقعة للتعامل مع كل الظروف، وإيجاد وحدات لإدارة الأزمات المتوقعة بشكل دائم.
ولا شك في أن الحرب الدامية المُندلعة بين إسرائيل وإيران تحمل آثارا شديدة السلبية على الاقتصاد العالمى بشكل عام، وعلى اقتصاد منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص.
فمن نتائجها المتوقعة حدوث ارتفاع أسعار النفط، وما يصحب ذلك من تضخم، وارتفاع فى أسعار كثير من الخامات، فضلا عن ارتفاع تكاليف الشحن والنقل والتأمين نتيجة اتساع المخاطر. إلى جانب تباطؤ حركة نقل السلع والأفراد وتراجع السياحة والخدمات وتدفقات الاستثمارات العالمية.
ويُحسب للاقتصاد المصرى تجاوزه لأزمات عديدة على مدى السنوات الأخيرة، وهو ما أكد قوته وتنوعه وقدرة الفاعلين فيه من مسئولين وصناع قرار ومستثمرين كبار وخبراء على التكيف مع مختلف الأوضاع، وهو ما رأيناه بوضوح خلال جائحة كورونا عامى 2020 و2021، ثُم شهدنا نموذجا آخر له بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية فى فبراير 2022، وصولا إلى ما عانيناه من آثار العدوان الإسرائيلى على غزة عقب أكتوبر 2023، حيث تأثرت حركة الملاحة والعبور فى قناة السويس، وتوقفت السياحة عن النمو، وتباطأت خطط الصادرات. وعلى الرغم من ذلك نجا الاقتصاد المصرى من كافة الأزمات المتلاحقة بفضل الحكمة فى اتخاذ القرارات، والعمل الجماعى، ودعم الدول العربية الصديقة، وقدرة العامة على التحمل والتكيف.
وقبل أيام من الحرب صدر تقرير حديث للبنك الدولى بعنوان آفاق الاقتصاد فى 2025 خفض من معدلات النمو المتوقعة خلال العام ليسجل النمو العالمى 2.3 % مقابل 2.7 % نموا متوقعا مطلع العام.
وحذر التقرير من مواجهة الاقتصاد العالمى تباطؤًا حادًّا، مع التقديرات بتسجيله أضعف أداء منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008. كما توقع ارتفاع التضخم العالمى إلى 2.9 % وهو أعلى من معدل التضخم السائد قبل الجائحة.
وبالنسبة لمصر توقع التقرير تحقيق معدل نمو 3.8% وهو أفضل قليلا مما كان متوقعا بداية العام نتيجة الإصلاحات المالية الجارية، خاصة فى قطاع الاستثمار.
لكن على أى حال، فإن هذا التقرير اعتمد على مؤشرات واستقراءات قبيل اندلاع الحرب، وهو ما يعنى أن طول أمدها أو استمرارها لفترة يحمل تأثيرات خطيرة. وكل ذلك يدفعنا دفعا إلى التأكيد على ما سبق وطالبنا به مرارا وهو تشكيل وحدة إدارة أزمات جاهزة للسيناريوهات الأسوأ والتجهز لكافة الظروف المحتملة.
إن الحكومة مطالبة بوضع خطط طوارئ واضحة، تعمل على امتصاص آثار الأزمة والحفاظ على حركة الصادرات ومساندة الاستثمار والعمل على زيادة الانتاج للحد من عودة التضخم مرة أخرى.
ومن المهم والضرورى توسيع نطاق الحماية الاجتماعية للطبقات الأكثر فقرا فى مصر، وزيادة المستفيدين لمواجهة الأعباء التى تفرضها موجات الغلاء المتوقعة.
وسلامٌ على الأمة المصرية..