بين السطور
لبيك اللهم لبيك، لبيك اللهم حقاً لبيك تذللاً ورقاً، فقد جاء الحجيج يلبون ويقفون أمام الحاكم العادل ملك الملوك أمام رب العالمين. بعد أن استأذنوه فى زيارة بيته الحرام فأذن لهم وتحنن عليهم وها هى القلوب جاءت ملتاعة وكلها شوق ورقت لرب العالمين فهو الكريم ولا يرد من دعاه. اجتمعوا فى أرض واحدة فى أكبر مؤتمر يعقد بأمر الله سنوياً وتشهده الدنيا بأثرها حيث يجتمع ملايين المسلمين لأداء فريضة الحج وينطقوا ويرددوا بقلوبهم وألسنتهم على اختلاف الفئات واللغات واللهجات والأجناس، اجتمعوا جميعاً على كلمة التوحيد وليعظموا شعائر الإحرام والإسلام، يا لها من مشاهد عظيمة ومهيبة، ويقول العلماء والفقهاء فى وصفها إن الملائكة تتنافس للنظر إليهم أثناء الحجيج، فقد منا الله علىَّ بأن أقيمها من قبل. نعم الآن كلى شوق للعودة إن شاء الله فمن ذاق حلاوة المناسك لا ينساها أبداً ويظل قلبه متعلقاً بها، ففى الآية الكريمة 26 من سورة الحج قال تعالى وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بى شيئاً وطهر بيتى للطائفين والقائمين والركع السجود، فعندما أمر الله سبحانه وتعالى سيدنا إبراهيم عليه السلام ببناء البيت كان لتحقيق توحيده سبحانه، وذلك للتخلص من مظاهر الشرك التى كانت فى الجاهلية. فقد أكد الفقهاء أن من يذهب للحج يجعل عزمه خالصاً لوجه الله سبحانه وأن يبعد عن نفسه الرياء وطلب السمعة، وأن يجعل عمله خالصاً، باجتناب كل ما فيه رياء وسمعة، وأن يقوم بأداء مناسكه كاملة تنفيذا لأوامر الله سبحانه ويقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلـم، وبمثل هذه الأعمال يظهر كمال الرق والعبودية لله الواحد الاحد،ويظهر ذلك فى هذه الجملة التى لم يرددها المسلم إلا فى فريضة الحج فقط وهى لبيك بحجة حقاً، تعبداً ورقاً، وذلك تعظيماً لفريضة الحج وان يبتعد عن محظورات الإحرام، فلاجدال فى الحج ولا مخاصمة، لكونها تثير الشر ولا مشاحنات ولا فسوق وترك المعاصى جمعاء وأن يتعلق القلب بالله ويلبى ويكبر ويسعى، فالمسافر إلى الله تعالى والدار الآخرة لا يصل إلا بزاد من التقوى. فتعظيم شعائر الله المتمثلة فى مناسك الحج، من الطواف والوقوف بعرفة ورمى الجمار وذبح الهدى كل هذا علامة على قرب العبد من ربه وعندما ينتهى الحجيج لا ينس المسلم ذكر الله، فالذكر من أحب العبادات إلى الله كما أمر الله تعالى فى كتابه العزيز. فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً، كما أعطى الله هدية لحجاج بيته أن يجمعوا بين أداء المناسك وبين التجارة والتكسب، بشرط ألا تؤثر على المناسك وكل هذا ذكر فى القرآن لشهدوا منافع لهم. كما جاء بالآية الكريمة وهنا تظهر عظمة الاسلام وهو دين المساواة وهذا يظهر واضحاً فى اجتماع الناس للصلاة واجتماعهم للحج ففى الوقوف بين يدى الله تعالى لا فرق بين غنى وفقر ولا غفير وأمير والعربى بجوار العجمى الجميع يقف بثياب واحد بخلاف ما كان عليه أهل الجأهلية، إن الناس كلهم أمة واحدة سواسية كأسنان المشط، لا فضل لآعرابى على اعجامى إلا بالتقوى، فالكل جأوا ملبين بعد أن تجردوا فى الحج من الثياب وملذات الدنيا، ليلتقوا فى بيت الله متساوين أمة واحدة، فهنيئاً لكم يا حجاج البيت، فاللهم لا تقطعنا عن حرمك وصلنا بيتك فالارواح مشتاقة وصلنا بيتك يا الله وسلام الله عليكم يا حجاج بيت الله فى حجر اسماعيل وفى عرفات الله وفى القبة الخضراء ولتحمدوا الله فهل بعد هذا الفضل فضل، وهل بعد هذا الشرف شرف فلبيك اللهم لبيك.