صواريخ
لا شك أن المشروع الصهيونى الأمريكى لخلق شرق أوسط جديد، يشكل أكبر التحديات والمخاطر لكل دول المنطقة، خاصة الدول الكبرى والمستقرة وعلى رأسها مصر، على اعتبار أن هذا المشروع لن يتحقق إلا من خلال الفوضى الخلاقة وتفكيك الدول وتقسيمها إلى دويلات صغيرة على أسس دينية وطائفية وعرقية، وطمس الهوية الوطنية والتاريخية للدول والانزلاق فى صراعات لا تنتهى إلا بتقسيم المقسَّم وربما الاحتلال والتدخل الخارجى تحت مزاعم حماية الأقليات والفئات الضعيفة وحقوق الإنسان، وغيرها من المزاعم التى تجيدها البروباجندا الإعلامية الغربية، وهو الأمر الذى أدركته مصر مبكرًا جدًا وقبل ما يسمى بالربيع العربى الذى شكّل أحد مراحل هذا المشروع الصهيونى الذى أعده برنالد لويس فى ثمانينيات القرن الماضى، وتسعى الإدارات الأمريكية المتعاقبة لتحقيقه بوسائل مختلفة ومتعددة، تارة بالترهيب والحروب كما حدث فى العراق وسوريا وغيرها من الدول التى انزلقت للصراعات الداخلية، وتارة بالترغيب والتطبيع مع الكيان الصهيونى تحت مزاعم ما يسمى بالدين الإبراهيمى، الذى يشكل طمسًا لهوية وعقائد الأمتين العربية والإسلامية!
مصر بعمقها السياسى وخبراتها الكبيرة وأجهزتها الواعية ترصد المشهد الإقليمى والدولى جيدًا، وتسعى دائمًا إلى نزع فتيل الأزمات والحروب، ويأتى التقارب المصرى الإيرانى الآن فى إطار سياسة مصر المتوازنة ونزع فتيل حرب إقليمية يسعى إليها الكيان الصهيونى لتفجير المنطقة بكاملها.. والمؤكد أن زيارة وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى إلى القاهرة فى نفس يوم زيارة رافييل جروس مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ليست صدفة، وإنما فى إطار تنسيق مصرى يهدف إلى الوصول لحل فى قضية المفاعل النووى الإيرانى، خاصة أن الرئيس عبدالفتاح السيسى قد شدد فى لقائه مع مدير الوكالة الدولية على ضرورة أن تكون منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية، وأن مصر كانت دومًا فى طليعة الدول الداعمة لمنظومة نزع السلاح وعدم الانتشار النووى، وثمّن «جروس» دور مصر فى هذا الملف والسعى لتحقيق الاستقرار والسلام فى المنطقة، وتعظيم الاستفادة من الاستخدامات السلمية للطاقة النووية فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة ومواجهة الكثير من التحديات وعلى رأسها ظاهرة التغير المناخى.
مؤكد أن التقارب المصرى الإيرانى يصب فى مصلحة البلدين وأيضا فى مصلحة المنطقة بكاملها، خاصة بعد أن زالت الحساسية فى العلاقات الخليجية الإيرانية، بعد قيام الصين برعاية عودة العلاقات السعودية الإيرانية، الأمر الذى مهّد لعودة العلاقات المصرية الإيرانية، خاصة أنها كانت علاقات وطيدة ومتجذرة لعقود طويلة منذ العهد الملكى المصرى وما بعدها، خاصة موقف شاه إيران مع مصر خلال حرب أكتوبر المجيدة، وهو ما دعا الرئيس الراحل أنور السادات لاستضافة الشاه فى مصر بعد قيام الثورة الإسلامية فى إيران وسوء العلاقات بين البلدين.. وإذا كانت تصريحات بدر عبدالعاطى وزير الخارجية المصرى ونظيره الإيرانى تشير إلى قرب عودة العلاقات بشكل كامل بين مصر وإيران، فمن المؤكد أنها سوف تصب فى صالح استقرار المنطقة والحد من التدخلات الخارجية، كما أنها تشكل تحالفا مهما على المستوى الاقتصادى والتجارى، وتعزز من حرية التجارة فى البحر الأحمر والخليج العربى وأيضا تبادل المصالح فى الصادرات والواردات والجانب السياحى وغيرها من الجوانب التى تشكل نقطة تحول كبرى يستفيد منها البلدان فى ظل عالم يتغير بسرعة وبعمق.
حفظ الله مصر