اﻷﺿﺎﺣﻰ.. ﻟﻠﻘﺎدرون ﻋﻠﻴﻬﺎ
كيلو اللحمة بـ350 جنيهًا والمواطن لا يملك سوى المشاهدة
تحذير «لحوم الجلالة».. جزار بحى السيدة عائشة يكشف الكارثة
يحل عيد الأضحى المبارك وسط أجواء يغلب عليها القلق أكثر من الفرح، والحيرة أكثر من التجهز، ففى بلد كان العيد فيه مناسبة للتراحم والاحتفال وذبح الأضاحى، باتت كثير من الأسر المصرية تقف أمام محال اللحوم وحظائر الماشية عاجزة، تتفرج ولا تشترى، تتمنى ولا تملك.
لم تعد «الأضحية» فى متناول الجميع، بعدما قفزت الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، وتحولت الأسواق الشعبية إلى ساحة مفارقات صارخة، تفاوت كبير فى الأسعار، غياب لرقابة الأسواق، ومواطنون يتحسسون طريقهم بين الحاجة والقدرة.
من قلب الشارع، كيف غير الغلاء ملامح العيد، وكيف بات المواطن يبحث عن «ربع خروف» أو كيلو من اللحمة المذبوحة، بعدما كان يفاخر بأضحيته وسط الأهل والجيران.
رصدت الوفد خلال جولة ميدانية بعدد من الأسواق الشعبية والميادين الرئيسية بالقاهرة، تفاوتًا كبيرًا فى أسعار الأضاحى هذا العام مقارنة بالعيد السابق، وسط حالة من الركود الملحوظ فى حركة البيع، وضعف الإقبال من جانب المواطنين، نتيجة الضغوط الاقتصادية الخانقة التى باتت تلاحق معظم الأسر المصرية.
فى منطقة غمرة، أكد إبراهيم محمد جزار، أحد تجار المواشى، أن الأسعار ارتفعت بشكل واضح، مشيرًا إلى أن سعر كيلو العجل البلدى صاحى وصل إلى 190 جنيها، بينما تراوح سعر العجل الجموسى بين 165 و170 جنيها للكيلو صاحى، وأضاف أن أسعار الجمال العقود بالشروة تبدأ من 45 ألف جنيه وقد تصل إلى 120 ألف جنيه الجمال الكبيرة بحسب الحجم، أما الجديان، فيبدأ سعر الكيلو الحى منها من 265 جنيهًا ويزيد حسب الجودة، فى حين بلغ سعر الكيلو المذبوح من الخرفان 350 جنيهًا، وسجل كيلو الجاموس المذبوح بين 260 و280 جنيهًا.
وأوضح الجزار أن الإقبال هذا العام ضعيف للغاية مقارنة بالعام الماضى، وقال لـ«الوفد»: «الناس بتتفرج وتسأل وتمشى، فى ناس بتطلب تشارك فى خروف أو تاخد ربع جدى، وده أول مرة نشوفه بالشكل ده، زمان كنا بنخلص بيع قبل العيد بأيام، النهارده مفيش حركة والسوق مشلول».
وكانت جولة «الوفد» أن غالبية المواطنين باتوا يتجهون نحو شراء كميات قليلة من اللحوم المذبوحة بدلاً من شراء أضحية كاملة، نتيجة العجز الواضح فى الدخل وزيادة أسعار السلع والخدمات، ما جعل من الأضحية عبئًا ثقيلًا على ميزانية الأسرة، بعض الأهالى أعربوا عن استيائهم من الأسعار المرتفعة، مشيرين إلى أن شعيرة الأضحية أصبحت حلما بعيد المنال هذا العام.
وقال أحد المواطنين: «أنا موظف وبقبض 5 آلاف جنيه، مش قادر أشترى أضحية بسبعين أو تمانين ألف.. أجيب منين؟». فيما طالب آخرون الحكومة بالتدخل لمراقبة الأسواق وضبط الأسعار، وفتح منافذ بيع مباشرة للمواطنين بأسعار مناسبة للظروف الاقتصادية الخانقة.
وهكذا، يأتى عيد الأضحى هذا العام وسط معاناة اقتصادية واضحة، ليكشف واقعا مريرا تعيشه ملايين الأسر المصرية، حيث تحولت شعيرة الأضحية إلى رفاهية يصعب الوصول إليها، بعدما طغت متطلبات الحياة اليومية على كل ما هو دينى واجتماعى.
مواطنة من سكان مدينة نصر تكشف تفاوت أسعار اللحوم مع اقتراب عيد الأضحى: «الفرق 50 جنيها فى الكيلو بين الحى العاشر وباب الشعرية».
مع اقتراب عيد الأضحى المبارك، وازدياد إقبال المواطنين على شراء اللحوم استعدادًا للذبح أو للتخزين، تصاعدت شكاوى بعض الأهالى من التفاوت الكبير فى الأسعار بين المناطق، وسط غياب واضح للرقابة.
قالت أسماء محمد، 35 عامًا، من سكان حى مدينة نصر، إن الأسعار فى بعض المناطق الشعبية مثل باب الشعرية أقل بكثير من تلك المعروضة فى أحياء أخرى راقية، رغم أن جودة المنتج قد تكون واحدة أو حتى أفضل فى المناطق الأرخص.
وأضافت: «أنا اشتريت اللحمة البلدى بـ330 جنيها، والسجق البلدى بـ310، والكبدة البلدى بـ330، واللحمة المفرومة بـ320. أما كفتة الشوى الجاهزة فكانت بـ180 جنيها، ودى معمول فيها شغل حلو، فيها برغل ودهون وبصل وتتبيلة، بس مناسبة جدًا للى عايز حاجة مجهزة وسريعة، وسعرها معقول مقارنة بباقى الأنواع».
وتابعت: «المقارنة بقت صادمة.. فى باب الشعرية نفس الحاجات أرخص من 20 لـ50 جنيها فى الكيلو، بينما فى الحى العاشر بمدينة نصر الأسعار نار، وفيه بائعين مش فاهمين فى التسعير وبيبالغوا فى تقديرهم للأسعار، رغم ان الجودة مش أعلى».
وأشارت إلى أن الزحام الشديد أمام محلات الجزارة خلال موسم العيد لا ينبغى أن يكون ذريعة لرفع الأسعار أو التلاعب بالمستهلك، لافتة إلى أن كثيرًا من الأهالى يضطرون للشراء رغم علمهم بأن السعر غير منطقى، فقط لأنهم لا يملكون وقتًا أو وسيلة للبحث عن بدائل.
وطالبت أسماء الجهات الرقابية بالتدخل لضبط الأسواق، ووضع حد للتفاوت غير المقبول فى الأسعار، خصوصًا أن اللحوم من السلع الأساسية فى عيد الأضحى، ويجب أن تكون متاحة لكل المواطنين بسعر عادل وجودة مضمونة.
واختتمت حديثها قائلة: «كل سنة فى العيد بنعانى نفس المعاناة.. الناس بتدور على اللحمة، والأسعار بتولع، ومفيش رقابة بتوقف جشع بعض التجار، لازم يكون فى حل يحترم المواطن ويخفف العبء عنه بدل ما يتحول العيد لعبء إضافي».
رصدت «الوفد» خلال جولة فى عدد من الأسواق الشعبية بالقاهرة، حالة من الاستغراب بين المواطنين بسبب الفروق الغريبة فى أسعار اللحوم مع اقتراب عيد الأضحى، وسط ظروف اقتصادية صعبة تدفع الكثيرين للبحث عن البدائل الأرخص، حتى وإن كانت تحمل بعض القلق.
رحاب حسن، ربة منزل فى الأربعين من عمرها، قالت لـ«الوفد»: «نزلت أدور على لحمة للعيد، لقيت فى السوق الشعبى أسعار مختلفة تمامًا عن اللى بشوفها عند الجزار اللى جنبى، اللحمة هناك أرخص بنص التمن تقريبًا، وده خلانى أسأل نفسي: إزاي؟ وليه؟».
أشارت رحاب، إلى أن شكل اللحمة المعروضة فى السوق لا يوحى بأنها فاسدة أو غير صالحة، لكنها رغم ذلك تشعر بالقلق، مضيفة: «الناس بتشترى ومفيش شكوى، بس إحنا مش عارفين مصدرها إيه ولا ليه الفرق الكبير ده، ومفيش حد بيراقب أو يشرح».
الكثير من الأهالى باتوا يتجهون نحو الشراء من الأسواق الشعبية مجبرين، بسبب الغلاء الجنونى فى المحال المعروفة، حتى وإن لم يشعروا بالثقة الكاملة فى جودة اللحوم، فى ظل غياب المعلومات وضعف الدور الرقابى.
حذر محمد فرج، أحد الجزارين المعروفين بحى السيدة عائشة، من ظاهرة بيع «لحوم الجلالة»، وهى لحوم الأغنام التى تربت على مخلفات القمامة والنفايات، مشدداً على خطورتها على صحة الإنسان.
وأكد فرج، أن هناك بعض التجار الجشعين الذين يستغلون موسم الأعياد لبيع أغنام غير صالحة للاستهلاك الآدمى، حيث يتم تربيتها فى أماكن غير مرخصة، وتغذى على بقايا الطعام ومخلفات الأسواق والقمامة، هذه الأغنام، بحسب تعبيره، «قد تبدو سليمة ظاهرياً، لكنها تحمل بداخلها ما يكفى لتدمير صحة المواطن البسيط».
وأشار فرج، إلى أن لحوم هذه الأغنام تكون غالباً غامقة اللون، وتصدر منها روائح كريهة أثناء الطهى، فضلاً عن أنها قد تؤدى إلى حالات تسمم غذائى أو أمراض خطيرة نتيجة احتوائها على بكتيريا وسموم متراكمة بسبب النظام الغذائى غير السليم الذى تتلقاه الحيوانات من تراكم القمامة.
وطالب فرج، المواطنين بعدم الانسياق وراء الأسعار الزهيدة التى يروج لها البعض فى الشوارع أو الأسواق العشوائية، مؤكداً أن «الأضاحى الرخيصة التى يتم تربيتها على القمامة أخطر ما يمكن أن يتوقع المواطنون على صحتهم»، وأن الصحة لا تعوض، كما ناشد الجهات الرقابية ووزارة الزراعة ضرورة تكثيف الحملات على أماكن تربية الأغنام والأسواق العشوائية، لضبط المخالفين وحماية المستهلك.
وتابع الجزار، قائلاً: «يا ناس، اشتروا من مكان موثوق حفاظاً على صحتكم، ومن جزار تعرفه، أو من شوادر الدولة، بلاش تجيب خروف شكله كويس بس تكتشف إنه كان بياكل من الزبالة، لأن وقتها مش بس فلوسك اللى راحت.. صحتك كمان».
يذكر أن الظاهرة باتت تتكرر سنوياً مع اقتراب عيد الأضحى، وسط ضعف واضح فى الرقابة على بعض المناطق العشوائية، ما يستوجب تحركاً عاجلاً من الجهات المعنية.
وفى مشهد صادم يكشف جانباً خطيراً من واقع تربية الأغنام فى بعض المناطق الشعبية، اعترف محسن محمد غنام، أحد مربى الأغنام بمنطقة السيدة عائشة، بأنه يضطر لتربية الخراف على القمامة ومخلفات الأسواق، بسبب الارتفاع الجنونى فى أسعار الأعلاف، قائلاً: «مضطرين نأكلها من الزبالة علشان نكسب.. مفيش حلول تانية».
وأوضح غنام أن أسعار الأعلاف ارتفعت بشكل غير مسبوق، ولم تعد تتناسب مع أسعار البيع، قائلاً: «كيلو العلف وصل لأرقام خرافية، وإحنا بنبيع كيلو اللحمة بـ150 جنيه أو أقل، عشان نقدر نبيع أقصى عدد وبمكسب أقل»، مشيراً إلى أن الضغوط الاقتصادية، وغياب الدعم لمربى الأغنام، دفعت بالكثيرين إلى الاعتماد على بدائل رخيصة مثل بقايا الطعام ومخلفات القمامة لإطعام الخراف.
وأضاف: «إحنا بنشتغل عشان نعيش، ومش بنقصد نضر الناس، بس الحكومة سابتنا نواجه مصيرنا لوحدنا، لا فيه رقابة، ولا فيه دعم، ولا فيه تسعير عادل»، معترفاً بأن لحوم هذه الأغنام قد لا تكون صحية، لكنها باتت جزءاً من الواقع المفروض على عدد كبير من صغار المربين.
حديث «غنام» يفتح، الباب مجدداً أمام تساؤلات خطيرة حول منظومة تربية الماشية فى مصر، ومدى سلامة اللحوم التى تصل إلى موائد المواطنين، خاصة فى ظل غياب الرقابة الصارمة على أساليب تربية المواشى فى المناطق العشوائية، وانتشار أسواق بيع الأغنام دون ترخيص أو رقابة بيطرية.
ويأتى فى السياق بالتزامن مع تحذيرات أطلقها جزارون من بيع ما يعرف بـ«لحوم الجلالة»، وهى لحوم أغنام تم تربيتها على القمامة، حيث تتسبب فى أمراض خطيرة، وتشكل تهديداً مباشراً لصحة المواطنين.
ويطالب المواطنون بتدخل عاجل من وزارة الزراعة، وهيئة الخدمات البيطرية، لوضع حلول جذرية تشمل دعم الأعلاف، وتشديد الرقابة على مزارع التربية، وإنشاء شوادر آمنة تضمن لحوماً صالحة للاستهلاك، خاصة مع اقتراب موسم عيد الأضحى، الذى يشهد ذروة الإقبال على شراء الأضاحى.

