خوليو ألونسو: "السياسة، لا الأرباح، هي المحرك الجديد لتقييم الشركات"

في الماضي، حين كانت الأسواق أوج ازدهارها، كان أول ما يتناوله المستثمرون هو جداول البيانات: لإعداد توقعات التدفقات النقدية للشركة، ثم خصمها، واختبار مضاعف التقييم. أما اليوم، فهذا النهج المعهود لم يعد يجدي نفعًا، كما يوضح خوليو ألونسو أورتيغا، الخبير الاقتصادي والشريك في شركة القبس التي تتخذ من طرابلس مقرًا لها. ويضيف مؤكدًا: "فالمستثمر اليوم، يرى بصمة الحكومة قبل أن يرى رمز السهم". فالسياسات هي التي ترسم الملامح العامة، وما الأرباح إلا ألوان تملأ تلك الملامح.
لنأخذ سوق السندات الأمريكية مثالًا. فمع تجاوز الدين الفيدرالي نسبة 120% من الناتج المحلي الإجمالي، وباتت العجوزات التريليونية هي السمة السائدة، يجد المستثمرون أنفسهم يراقبون الكونغرس الأمريكي (الكابيتول هيل) عن كثب، تمامًا كما يراقبون مجلس الاحتياطي الفيدرالي. ففي الثمانية عشر شهرًا الماضية، وخلال موجتين من التوتر الحاد في الأسواق، عجزت سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات عن تحقيق أي انتعاش، منهيةً بذلك سجلًا حافلًا امتد لأربعة عقود كوجهة استثمارية آمنة ومفضلة. ولم يكن مبعث القلق هو شبح التخلف القانوني عن السداد – فواشنطن ما زالت قادرة على طباعة الدولارات – بل الممانعة السياسية لكبح جماح عمليات ضخ الأموال مستقبلًا. وقد ازدادت علاوات المخاطر الآجلة مع كل أزمة ميزانية، ولم يقم البنك المركزي سوى بإقرار هذا المستوى الجديد من المخاطر.
وتعكس أسواق الأسهم هذا الواقع ذاته. ففي 23 مايو، أصدر البيت الأبيض أمرًا يمنح هيئة تنظيم الطاقة النووية الأمريكية مهلة 18 شهرًا لترخيص مفاعلات جديدة. وفي غضون ساعات، قفز مؤشر صندوق "سبروت لشركات تعدين اليورانيوم المتداول في البورصة" (Sprott Uranium Miners ETF) بنسبة 11% وسط حجم تداول قياسي، بينما ارتفع السعر الفوري لليورانيوم حتى قبل افتتاح الأسواق الآسيوية. وبعد يومين، تخلت برلين عن اعتراضها على تصنيف الطاقة النووية ضمن مصادر الطاقة الخضراء؛ فشهدت أسهم شركات بناء المفاعلات الأوروبية انتعاشًا ملحوظًا، رغم أن شركات المرافق لم تغير شيئًا في خططها الاستثمارية. الأرباح لم تتغير، لكن القوانين والتشريعات هي التي تغيرت، فكان طبيعيًا أن تتبعها الأسعار.
ويقدم قطاع النفط صورة مشابهة تمامًا. فقد هوى مؤشر واسع لشركات التنقيب الأمريكية بأكثر من 20% خلال العام المنصرم، على الرغم من قوة الطلب على الخام وتناقص المخزونات. وتكشف استطلاعات آراء مديري الصناديق عن تخفيض قياسي لوزن قطاع الطاقة في محافظهم الاستثمارية، بينما يصفون الذهب بأنه "الصفقة الأكثر إقبالًا". فالمحافظ الاستثمارية، في جوهرها، باتت تعكس موقفًا تجاه سياسات المناخ: فطالما استمرت حكومات مجموعة السبع في فرض قيود على قطاع الهيدروكربونات، سيبقى المستثمرون متحفظين تجاهه، بغض النظر عن المعطيات الجيولوجية. ولكن، إذا فاجأ الطلب الأسواق بينما ظل المعروض مقيدًا بالتشريعات، فإن التعافي قد يكون هائلاً ومفاجئًا – ولنا في تضاعف قيمة المؤشر ثلاث مرات بعد انهيار عام 2020 خير مثال.
السياسات قادرة أيضًا على تبديد القيمة. فخطة أستراليا لفرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية غير المحققة في صناديق التقاعد الكبرى أصابت الأسهم المحلية بالركود؛ وفي النرويج، أدت تعديلات مماثلة إلى هروب رؤوس الأموال الخاصة. فعندما تكون البرلمانات قادرة على محو رأس المال بين ليلة وضحاها، يصبح أي نموذج لخصم التدفقات النقدية يتجاهل المخاطر القانونية لا يعدو كونه عملية حسابية بحتة، منفصلة عن الواقع.
تفسر هذه الأحداث التهافت على الأصول التي يصعب على الحكومات مصادرتها. فقد تجاوز سعر البيتكوين حاجز المئة ألف دولار في مايو؛ ويحوم الذهب قرب مستويات قياسية؛ وباتت شركات تعدين المعادن الأرضية النادرة تحظى بمضاعفات تقييم تضاهي تلك التي تتمتع بها شركات البرمجيات العملاقة. ويرى السيد ألونسو أنه "عندما تهدد السياسات الديون السيادية، تهاجر الأموال إلى أصول لا يمكن لأي سلطة تشريعية التنصل منها بسهولة". فالندرة – سواء كانت رقمية أم معدنية – توفر ملاذًا آمنًا في ظل الشكوك التي تحيط بالركائز المالية التي يستند إليها الدولار واليورو والين. حتى سوق الائتمان الأمريكي ذو الجودة الاستثمارية العالية بات يتأثر سلبًا في كل مرة يلوّح فيها الكونغرس بمسألة سقف الدين.
وتحمل البيانات اليومية بصمات سياسية واضحة. فسيدفع سائقو السيارات في الولايات المتحدة أقل سعر حقيقي للبنزين في عطلة يوم الذكرى منذ عام 2021، وذلك بفضل تعديلات منظمة أوبك، وكذلك نتيجة لمساعي البيت الأبيض لإقناع شركات التكرير (بزيادة الإنتاج مثلاً). ومجرد تلويح بروكسل بفرض رسوم جمركية على السيارات الكهربائية الصينية أدى إلى خسارة مليارات الدولارات من القيمة السوقية لشركات صناعة السيارات حتى قبل أي تصويت رسمي – مما يثبت أن مجرد مسودة تنظيمية قادرة على التأثير في صناعة بأكملها.
أما خارج نطاق دول مجموعة السبع، فالضبابية المالية هي السمة الأغلب. فمصر، الخاضعة لإشراف صندوق النقد الدولي، نجحت في تحقيق فائضين أوليين وخفض معدل التضخم إلى ما دون 13%. هذه الإنجازات المتواضعة أدت إلى تضييق هوامش أسعار سنداتها الدولية (اليوروبوندز) بنحو 75 نقطة أساس هذا العام – وهي مكافأة على الانضباط لم تحظَ بها اقتصادات أخرى أكثر ثراءً. ففي سوق مهووس بالمصداقية النسبية، تكتسب التحسينات الطفيفة أهمية كبرى.
إذن، ما هو مصير نسبة السعر إلى الأرباح (P/E ratio) العريقة في ظل هذا الواقع الجديد؟ يعترف السيد ألونسو بأنها "لا تزال ذات أهمية، ولكن فقط بعد تطبيق ما يمكن تسميته 'معامل خصم مرتبط بالنظام السياسي السائد'". فشركة تخزين سحابي قد تستحق مضاعف تقييم مرتفع في بيئة ضريبية مستقرة، ولكنه قد يصبح ضئيلًا إذا لاحت في الأفق ضرائب جديدة على البيانات أو أوامر بتفكيك الشركة. فنماذج التقييم التي تتجاهل تأثير السياسات وتعتبرها مجرد "ضجيج في الخلفية" تخطئ في تقدير المخاطر، لأن هذه "الخلفية" هي التي تملي الآن مجريات الأحداث. ويختتم قائلًا: "السؤال الجوهري لم يعد: 'ما حجم الأرباح التي ستحققها الشركة؟' بل أصبح: 'ما الذي ستسمح به الدولة لهذه الشركة أن تحققه من أرباح – وتحت أي ظروف أو شروط؟".
لطالما كان للسياسة حصة في توجيه الأسواق. لكن اليوم، أصبحت السياسة هي التي تحدد مسار التدفقات النقدية، بينما تقتصر مهمة العوامل الأساسية على تشكيلها ضمن هذا المسار. فالمحللون الذين لا يزالون يعتمدون بشكل أساسي على الأرباح المتوقعة لفرز الأوراق المالية، إنما يعملون وفق منطق تجاوزه الزمن وتخطته حركة رأس المال. فصوت الأرباح بات همسًا خافتًا، بينما صوت الحكومات هو الأعلى والأكثر تأثيرًا، والتقييمات تصغي بانتباه لهذا الصوت الجهوري.