عاجل
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

قد تظن من الوهلة الأولى أن عنوان المقال يحمل نوعاً من الهزل ، في أيام لا تحتمل الهزل ، لكن ما يفعله ترامب وما ينتوي فعله ، مع مصادفة التاريخ ،حملت شرعاً وليس سفاحاً هذا الإسقاط ، حيث تم إنتاج فيلم «عنتر شايل سيفه» بطولة عادل إمام 1983 ، وهو العام الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي « ريجان» لأول مرة عن مشروعه الدفاعي «حرب النجوم» ، وأعاد إحياءه ترامب الآن تحت مسمى «القبة الذهبية» ، وأعتقد أن الجمهور تابع بشغف هذا الفيلم القديم ، قبل أن يتابع العالم فيلم ترامب الجديد ، .. وعودة إلي الجدية  فليكن العنوان إذا أردت «عسكرة الفضاء بين الوهم والإبتزاز» ، .. ولنبدأ الجد من حيث بدأ ترامب الهزل .

بينما يجتمع الكرادلة لاختيار بابا الفاتيكان الجديد ، نشر «ترامب» صورته بالذكاء الإصطناعي ،  يرتدي ثوبًا أبيض ، وقلادة صليب ذهبية ، وقبعة أسقف، مع توجيه إصبع السبابة نحو السماء ، في إشارة دفعت البعض للاعتقاد بأن «ترامب» يرغب في منصب البابا ، أثار هذا «المزاح البايخ» الذي لا يُحتمل من رئيس دولة عظمى ، استياء 1.4 مليار يتبعون الكنيسة الكاثوليكية في العالم ، قبل أن نفهم مؤخراً إشارة ترامب بتلك الصورة ، بعد انتخاب «روبرت فرنسيس بريفوست» ليصبح خليفة البابا فرنسيس ، ليصبح أول أمريكي يتولى هذا المنصب في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية ، ويدخل معه ترامب عالم التنجيم بالكشف الضمني عن هوية البابا قبل انتخابه ! .

بعد 72 ساعة تقريباً من تلك الصورة ، فاجأنا ترامب بنشر صورة أخرى له بالذكاء الإصطناعي أيضاً ، مفتول العضلات ،حاملاً سيف «السيث الأحمر» ، سيف قوى الشر في سلسلة حرب النجوم المعروفة ، ثم يعلن للعالم بعدها عن مشروع «القبة الذهبية» المستوحى من «القبة الحديدة» للكيان المحتل ، ويهدف المشروع إلى حماية الولايات المتحدة من الهجمات الصاروخية التي يمكن إطلاقها من الأرض أو الفضاء ، وأعلن «ترامب» أن تلك «القبة» ستكون جاهزة للعمل بنهاية ولايته الممتدة لأربع سنوات قادمة ، السؤال هنا : ما الجديد وما القديم في هذا المشروع وما تبعاته وما هي أهدافه ؟

الجديد أن ترامب بدأ يتعامل مع العالم بلغة الإشارة ثم التشويق ثم الإثارة ، مثلما فعل «عنتر»  في فيلم «عنتر شايل سيفه» ، مع الإحترام الشديد لعنتر ، الذي ذهب إلى بلاد الخواجات شاهراً سيفه ، ليجد نفسه متورطاً بالمشاركة في تصوير أفلام إباحية .. والساعة بخمسة جنيه والحسابة بتحسب !

 

القديم في طرح ترامب لعسكرة الفضاء ، أن الرئيس الأمريكي «ريجان » أعلن في نهاية خطاب ألقاه 1983 ، عن استراتيجية جديدة  تتعلق بوضع الأمن القومي الأمريكي ، مشروع قد يبدل مجرى التاريخ ، ويقلب العالم رأساً على عقب ، وقال : «حتى لو نجحنا في تحقيق توازن نووي مستقر ، فإننا سنبقى تحت ظل شبح الرد الانتقامي ، ونحيا في جو من التهديد المتبادل ، وهذا وضع مؤلم للبشرية .. لقد تداولت مطولاً مع مستشارى الرئيس ومن ضمنهم هيئة الأركان المشتركة ، وأيقنت أن هناك وسيلة تؤمن استقراراً .. سنبدأ بأبحاث علمية بهدف القضاء ، عبر تدابير دفاعية ، على التهديد المرعب الذي تجسده الصواريخ السوفيتية ، انني واع تماماً إلى المهمة ضخامة هذه المهمة ، وقد لا تتحقق قبل نهاية هذا القرن ، ولكن المستوى العالي الذي بلغته التكنولوجيا حالياَ يبرر تفاؤلنا بالنجاح » .

بهذا الخطاب كما يقول« بيير غالوا» في كتابه «حرب المائة ثانية ،الولايات المتحدة وأوروبا وحرب النجوم ، ترجمه عن الفرنسية اللواء جبرائيل بيطار ، الطبعة الأولي 1988 »، أن الرئيس ريجان ، بهذه الكلمات ، رضي كافة الأمريكيين تقريباً من اليسار الديمقراطي حتى أشد المحافظين صلابة ،مروراً بأنصار السلام وعلماء البيئة ورجال الدين.

كانت المعارضة على مشروع « ريجان» الدفاعي متعددة ، فالمشروع بالنسبة للبعض غير قابل للتحقيق ، في حين يراه البعض الآخر باهظ التكاليف ، ويعتقد آخرون أن بإمكان الإتحاد السوفيتي توفير وسائط مضادة للتقنيات الدفاعية الأمريكية التي قد تصل إليها أفضل الأدمغة الأمريكية ، وتم التوحد ضد عسكرة الفضاء باعتبارها عملاً لا فائدة منه ، ويشكل تحدياً لا مبرر له و مناف للمنطق ، واعتقد المعارضون وقتها أن القدرة النووية نجحت في المحافظة علي السلام طيلة بضعة عقود سابقة ، وستحافظ عليه لفترة طويلة لاحقة ، ومن الأفضل للولايات المتحدة ، أن تتمسك بتلك الإستراتيجية التي أثبتت فعاليتها عملياً .

مع مرور الوقت نجح «مشروع ريجان» في استقطاب نسبة كبيرة من الرأي العام الأمريكي ، وتم إعادة انتخاب «ريجان» لولاية ثانية ، بعد التأييد الذي ابداه الرأي العام دعماً للاستمرار في تنفيذ هذا المشروع ، الذي أطلقت عليه وسائل الإعلام «حرب النجوم» ! ، .. نجح ريجان ودُفن المشروع ، حتى أخرجه ترامب من قبره مرة ثانية بعد خمسة عقود تقريباً بإسم « القبة الذهبية» ، ربما في محاولة لإعادة شعبيته التي فقدها بعد فوضى قراراته وسياساته المُدمرة .. فالمشروع واحد والأهداف واحدة ! .

السؤال الذي يعيد إحياء نفسه من جديد : الولايات المتحدة تريد تحصين نفسها .. ماذا يفعل الآخرون ؟ ، الإجابة عن هذا السؤال تتمثل في تقسيم الآخرين من حيث القوة ، الأول عليه دفع الجباية والرضوخ لسياسات ترامب طلباً للحماية تحت تلك «المظلة الذهبية»، الثاني : الحلف المناهض للعجرفة الأمريكية ، القادر على الجلوس معها رأساً برأس ، وسيعمل جاهداً  خاصة الصين وروسيا ، إلى خرق تلك القبة والتزود بأسلحة أكثر فتكاً ودماراً ، لتحافظ على توازن القوى بينهما ، وهناك آخرون «لاحول لهم ولاقوة» ، فقط مجرد رقم في تلك المجرة ، أصوات لا قيمة لها ، مسخرون للإبتزاز والجباية ، مجرد هامش خارج حسابات تلك اللعبة ، مع الإعتذار للهامش !.

الخلاصة : إذا كانت الولايات المتحدة من خلال مشروع «ريجان ـ ترامب» تريد إمتلاك الدرع الواقي وحماية أراضيها من الصواريخ خاصة التي تحمل رؤوساً نووية ، لجعل ما يملكه الآخرون من تلك الرؤوس أشبه «بكرات البُمب» في الموالد والأعياد ، فإن الدول التي لديها مخزون نووي لن تسمح بذلك أبداً ، خاصة ، أن ترامب ومستشاريه وخبراءه يعلمون، أن إجمالي المخزون العالمي من الرؤوس النووية يقدر بنحو 12121 رأسًا حربيًا ، منها 9585 رأسًا حربيًا جاهزة للاستخدام المحتمل ، حسب تقرير معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام .

في النهاية : ربما تصبح « القبة الذهبية» مشروع ترامب القادم لحلب مزيد من الحلفاء ، واستنزاف موارد من يريد حماية ماما أمريكا من العدوان « الروسي ، الصيني ،  الإيراني أو ... أو ..... » الأقواس مفتوحة لتوسيع قاعدة الحلب والاستنزاف ، في ظل توترات عالمية ، وكابوس من التهديد المستمر علي يد دول تتظاهر بالسلام ، وكانت أول من استخدم السلاح النووي دون أي اعتبارات أخلاقية.

أخيراً : مهما كانت النوايا التي تحيط بهذا المشروع القديم الجديد ، من ريجان إلي ترامب ، من حرب النجوم إلي القبة الذهبية ، ومدى إمكانية تنفيذه من عدمه ، تبقى الحقيقة المرة ، أننا كعرب خارج هذا السياق كله ، فشلنا في منع حرب الإبادة ضد غزة ، فشلنا في حماية أهلها من القتل والدمار والتهجير، فشلنا في ردع الكيان المحتل عن جرائمه وإجرامه ، فشلنا في الحفاظ على أنفسنا من ابتزاز ترامب وأعوانه .. ولابد من إيجاد حل للخروج من هذا الفشل.  


حفظ الله مصر من كل سوء .
[email protected]