مراجعات
انتهت «الزَّفة العربية» الرابعة والثلاثون، في العاصمة العراقية بغداد، مثل سابقتها «غير العادية»، التي انعقدت في القاهرة خلال مارس الماضي، إذ تعتبر «الرابعة» في «سلسلة القمم»، منذ العدوان «الصهيوني» على غزة في أكتوبر 2023.
ورغم توقعاتنا الدقيقة لما يمكن أن يكون عليه «البيان الختامي» و«توصيات القمة» الأخيرة قبل انعقادها، فلم يكن هناك أي تغيير سوى في صيغة المناشدة والرجاء من «ترامب»، بوقف العدوان على غزة، بعد أن كانت لـ«بايدن»!
اللافت أن قمة بغداد حضرها 5 رؤساء فقط، فيما غاب 17، وهذا وحده يلخص قيمة القمة العربية، بعد انعقاد «الخليجية ـ الأمريكية»، عقب «زفة الترليونات» والصفقات التي قدمتها السعودية وقطر والإمارات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مقابل لا شيء، سوى المديح المبالغ فيه، وأوهام الحماية من إيران!
لذلك نتصور أن هذه القمة ـ كما غيرها ـ ليست سوى مضيعة للوقت والجهد وإهدار للمال، ولم نعوِّل كثيرًا على انعقادها أو غيرها.. ليس بسبب التغيب المتوقع لعدد القادة، ولكن لأنها «كالعادة» مجرد تحصيل حاصل.. خطب إنشائية وبلاغية، لا تسمن ولا تغني من جوع!
قمة باهتة تمخض عنها بيان ختامي لا يستحق الحبر الذي كُتب به.. فقط مجرد توصيات تكرس زيادة نزيف الجُرح العربي، خصوصًا مأساة غزة، ولذلك فإن القمة العراقية ليست سوى رقم في عدَّاد الاجتماعات الروتينية، اللهم إلا إذا كان مجرد عقد القمة بشكل دوري يعد نجاحًا كبيرًا!
نتصور أن معظم المشاركين في القمة الأخيرة، أو الذين تغيبوا عنها، هم بالأساس غير مؤهلين لإطلاق مبادرات، أو اتخاذ مواقف شجاعة، أو صناعة مفاجآت، بفعل استغراقهم في أزماتهم الداخلية، التي يكاد يكون بعضها وجوديًّا، والحاصل أننا نمر بأسوأ المراحل التاريخية.. نعيش محاصرَين بأزماتنا السياسية، منشغلون باقتصاداتنا المتهاوية، والتسابق على التبعية لأمريكا، والتطبيع المجاني مع إسرائيل!
بكل أسف، ما حدث في قمة بغداد الأخيرة أن نتائجها كانت متوقعة بكافة تفاصيلها قبل انعقادها.. إدانة ورفض وشجب واستنكار، بأشد وأقسى العبارات، ولذلك نرى أنه لا طائل من وراء انعقاد أي قمة أخرى، حتى لا تزداد معاناتنا ونكباتنا.
إذن، لا جدوى من وجود ما يسمى بـ«الجامعة العربية»، التي ماتت منذ زمن بعيد، وكذلك لا فائدة من استمرار عقد القمم العربية أو استضافتها، لأن جُلَّ ما يمكن أن تقدمه هو عبارات التوسل والرجاء، أو الاستجداء، من زعامات وقيادات وحكومات عديمة الحيلة.
أخيرًا.. الجسد العربي أُنهك خلال العقود الأخيرة، سواء أكان بفعل فاعل، أم بخيارات خاطئة، أو بانبطاح فاق حدود الانبطاح، ليزداد الوضع تعقيدًا وهوانًا واستسلامًا، ما يُنذر بانفجار وشيك في المستقبل القريب، لن يستثني أحدًا، كما لن تجدي نفعًا تلك المحاولات اليائسة لإعادة تثبيت العروش «الهشة» على رمال متحركة!
فصل الخطاب:
يقول الشاعر والأديب السوري «محمد الماغوط»: «كيف يعود الإنسان العربي إلى تراثه قبل ألفي عام وهو لا يستطيع العودة إلى حدود 1967»؟