بدون رتوش
تطوراتٌ متلاحقةٌ فى منطقةِ الشرقِ الأوسطِ بدت معالمُها مؤخرًا خلالَ الزيارةِ التى قام بها الرئيسُ الأمريكيُّ «دونالد ترامب» لكلٍّ من المملكةِ العربيةِ السعوديةِ، وقطرَ، والإماراتِ، وهو ما أثارَ اهتمامَ المحللينَ والخبراءِ ليس فقط لطبيعةِ الوفدِ الأمريكيِّ الذى ضمَّ غالبيةً من رجالِ الأعمالِ، ولا حجمَ الاستثماراتِ الخليجيةِ التى سيحصلُ عليها «ترامب»، ولكن أيضًا تأثيرَ القراراتِ التى يتخذُها الرئيسُ الأمريكيُّ على المنطقةِ بأسرِها. لقد طغى على الجولةِ الجانبُ الاقتصاديُّ والاستثماراتُ والصفقاتُ الضخمةُ، وهو ما يثيرُ التساؤلاتِ حولَ مدى تغليبِ «ترامب» ومحيطِهِ للمصالحِ الشخصيةِ على حسابِ السياسةِ الأمريكيةِ، وكذلك حولَ ما قد تجنيه دولُ المنطقةِ مقابلَ هذه الصفقاتِ. وفى معرضِ التعليقِ قال بعضُ الباحثينَ بأنَّ الحكوماتِ الخليجيةَ ترى فى وجودِ علامةِ ترامبَ التجاريةِ فى بلدانِها وسيلةً لبناءِ الثقةِ مع الإدارةِ الجديدةِ.
وفضلًا عن النتائجِ الاقتصاديةِ فإنَّ الزيارةَ أسفرت عن إعلانِ ترامبَ عن خططٍ لرفعِ العقوباتِ المفروضةِ على الحكومةِ السوريةِ، كما شددَّ ترامبُ خلالَها على استعدادِهِ للتفاوضِ مع إيرانَ ما يشيرُ إلى إعادةِ ترتيبٍ للسياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ لكى ترتكزَ على منطقٍ مفادُهُ (بأنَّهُ لا يوجدُ فيها «أعداءٌ دائمونَ»). ولقد قدَّمَ خطابُ «ترامب» فى الرياضِ رؤيةً شاملةً (وإن كانت متناقضةً فى بعضِ أجزائِها) لدورِ القوةِ العسكريةِ الأمريكيةِ فى العالمِ. وأعلنَ معارضتَهُ للتدخلاتِ الأمريكيةِ السابقةِ فى الشرقِ الأوسطِ. بيدَ أنَّهُ أعلنَ فى الوقتِ نفسِهِ عن استعدادِهِ لاستخدامِ القوةِ للدفاعِ عن الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ وحلفائِها.
جاءت تصريحاتُ «ترامب» فى إطارِ سعيِهِ للحصولِ على أموالٍ من المنطقةِ الخليجيةِ الغنيةِ بالنفطِ من أجلِ الاقتصادِ الأمريكيِّ، وهو ما ظهرَ من اللحظةِ الأولى عندَ نزولِهِ من طائرةِ الرئاسةِ الأمريكيةِ وهو يُلوِّحُ بقبضتِهِ ويُحيِّى وليَّ العهدِ السعوديِّ «محمد بن سلمان» بحرارةٍ. وبدا أنَّهُ يُركِّزُ على تأمينِ مجموعةٍ من الصفقاتِ لعمالقةِ التكنولوجيا ورجالِ الأعمالِ الذين اصطحبَهم معَهُ. وعرضَ «ترامب» بحديثِهِ إلى التحدياتِ الأمنيةِ التى تُعانى منها منطقةُ الشرقِ الأوسطِ، وأبدى رغبتَهُ فى أن يكونَ للولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ دورٌ فى معالجتِها. كما أعلنَ أنَّهُ لن يسمحَ لإيرانَ بامتلاكِ سلاحٍ نوويٍّ. وكان قد صرَّحَ من قبلُ باستعدادِهِ للتوصلِ إلى اتفاقٍ وحثَّ طهرانَ على قبولِ عرضِهِ.
كان من الطبيعيِّ أن يُعرِّجَ «ترامب» على بندِ العقوباتِ المفروضةِ على سوريا ويُصرِّحَ برفعِها لا سيما وقد كان ثمةُ منتقدينَ داخلَ الولاياتِ المتحدةِ وخارجَها لسياسةِ فرضِ العقوباتِ وإبقائِها لفترةٍ طويلةٍ قد تؤدى إلى نفورِ القادةِ الجددِ الذين قد يكونونَ منفتحينَ على التعاونِ مع واشنطنَ. أما النقطةُ التى عرضَها وأثارت اهتمامَ الصحفِ فكانت تعهُدَهُ بأنَّهُ لن يترددَ أبدًا فى استخدامِ القوةِ الأمريكيةِ إذا كان ذلك ضروريًا للدفاعِ عن الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ أو للمساعدةِ فى الدفاعِ عن حلفائِها، وأنَّ أمريكا لن ترحمَ أيَّ عدوٍّ يُحاولُ إيذاءَها أو إيذاءَ حلفائِها. ولا شكَّ أنَّ تصريحاتِهِ التى تصدَّرتها سياسةُ رفعِ العقوباتِ عن سوريا والانفتاحِ على إيرانَ جاءت لتمثلَ صفعةً «لنتنياهو» رئيسِ وزراءِ إسرائيلَ الذى كان يشعرُ بالألمِ بالفعلِ من جراءِ قرارِ «ترامب» عدمِ زيارةِ إسرائيل فى هذه الجولةِ رغمِ وجودِها فى المنطقةِ.