رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

يا خبر!

يبدو أن واشنطن تعلمت الدرس، وفاوضت حماس بعيدًا عن نتنياهو، فالأخير لم يكن له دورٌ فى مفاوضاتِ الإفراجِ عن الجنديِّ الأسيرِ مزدوجِ الجنسيةِ الأمريكيِّ الإسرائيليِّ، عيدان ألكسندر، ففى خطوةٍ لم يكن يتوقعها نتنياهو ولا فى أحلامِهِ، فاوض ترامب مباشرةً حركةَ حماسٍ، مما اعتبرتهُ إسرائيلُ إهانةً موجعةً من الرئيسِ الأمريكيِّ؛ لأنه أجرى مفاوضاتٍ مباشرةً من وراءِ ظهرِ حكومةِ نتنياهو، مع حركةٍ تصنفها أمريكا وإسرائيلُ بالمنظمةِ الإرهابيةِ. والموجعُ أكثرُ أنها تكللتْ بالنجاحِ، وتمَّ إطلاقُ سراحِ عيدان ألكسندر يومَ الاثنينِ الماضى.

يعودُ السببُ فى نجاحِ عمليةِ الإفراجِ عن عيدان ألكسندر، فى رأيى، إلى أن الولاياتِ المتحدةَ تعلمتْ من تجاربِها السابقةِ، وحافظتْ على سريةِ وأمنِ المعلوماتِ حتى لا يتمَّ إفشالُ الصفقةِ مرةً أخرى بتسريبٍ من هنا أو من هناكَ تكونُ إسرائيلُ سببًا فيهِ.

الحديثُ عن خلافاتٍ بين نتنياهو وترامب باتَ شيئًا مؤكدًا، بل هناكَ تسريباتٌ تصفُ الخلافَ بأنَّ بهِ جانبًا شخصيًا يتعلقُ بتقديرِ كلِّ طرفٍ للآخرِ، وأتحدثُ هنا عن نتنياهو وترامب، ويبدو أيضًا أن الأمرَ ليسَ بالمفاجئِ، فالصورةُ بدأتْ تتضحُ منذُ استدعى ترامب نتنياهو للبيتِ الأبيضِ فى زيارةٍ ثانيةٍ الشهرَ الماضى، وعاملَهُ معاملةً وصفتْ بالسيئةِ، حيثُ خلتِ الزيارةُ من الودِّ والحميميةِ التى حظيَ بها «بيبى» فى المرةِ الأولى، ثمَّ ما انفكَّ ترامبُ بعدَ هذا اللقاءِ يفاجئُ نتنياهو مفاجآتٍ غيرَ متوقعةٍ وغيرَ سارةٍ لهُ، كأنْ يعلنَ مثلًا عن مفاوضاتٍ مباشرةٍ مع حماسَ فى الدوحةِ، ثمَّ يعلنَ عن مباحثاتٍ مع إيرانَ فى مسقطَ وإيطاليا، ثمَّ يوقفَ الضرباتِ التى كانَ يوجهها للحوثيينَ فى الأسابيعِ الماضيةِ ويتوصلَ إلى تسويةٍ معهم بعيدًا عن إسرائيلَ. أخيرًا، يفاوضُ حماسَ لإطلاقِ أسيرٍ أمريكيٍّ إسرائيليٍّ وينجحُ فى ذلكَ، ويصفُ موافقةَ حماسَ ببادرةِ حسنِ نيةٍ. كما أن الطريقةَ التى أُفرجَ بها عن ألكسندر تتناقضُ مع التصرفاتِ الإجراميةِ لحكومةِ نتنياهو، التى لا تفكرُ فى أيِّ شىءٍ سوى إعادةِ احتلالِ قطاعِ غزةَ. أما فيما يخصُّ الرهائنَ، فليستْ أولويةً لنتنياهو، وهو نفسهُ صرحَ بذلكَ. ولو كانَ أمرُ الرهائنِ يهمُّ نتنياهو، لما أقدمَ على الإطاحةِ برئيسِ جهازِ الشاباكِ الأسبقِ رونين بار، ورئيسِ الموسادِ ديفيد بارنيا من الفريقِ الذى كانَ مكلفًا بالتفاوضِ بشأنِ الأسرى، والذى يعودُ الفضلُ إليهِ فى إطلاقِ سراحِ 33 منهم.

كلُّ ما سبقَ وضعَ نتنياهو فى خانةِ المنبوذِ من قبلِ ترامبَ، خاصةً أن الأخيرَ جاءَ للشرقِ الأوسطِ ولم يمرَّ عليهِ أو حتى يدرجَ إسرائيلَ على جدولِ الزيارةِ، عليكَ أن تتخيلَ ردَّ فعلِ نتنياهو عندما يستيقظُ ذاتَ صباحٍ ويكتشفُ أن الرئيسَ الأمريكيَّ رتبَ لإطلاقِ سراحِ جنديٍّ يحملُ جنسيةً مزدوجةً من خلالِ مفاوضاتٍ مع حركةِ حماسَ ونجحَ فى ذلكَ! كانَ ذلكَ بمثابةِ كارثةٍ حلَّتْ على نتنياهو وحكومتِهِ وتحالفِهِ من اليمينِ المتطرفِ، وأبواقِهِ فى الإعلامِ الإسرائيليِّ الذين سارعوا يومَ الاثنينِ إلى لومِ ترامبَ، وتساءلوا: كيفَ يجرؤُ ترامبُ على التحدثِ مباشرةً مع منظمةٍ إرهابيةٍ متمردةٍ؟ وهم أنفسُهم الذين وبخوا إدارةَ بايدن السابقةَ لتجرئها على وقفِ تزويدِ إسرائيلَ بأسلحةٍ معينةٍ.

لم يكن الرئيسُ الأمريكيُّ السابقُ جو بايدن، ولا نائبتهُ كامالا هاريس ليجرؤا على القيامِ بما فعلَهُ ترامبُ، ولو حدثَ هذا لكانَ نتنياهو عرفَ ماذا يفعلُ، لكنهُ هذهِ المرةَ أمامَ دونالد ترامبَ رجلِ الصفقاتِ الذى لا يحبُّ من يخالفهُ ولا من يعرقلُ مسيرتَهُ، ونتنياهو أدركَ بالفعلِ أن ترامبَ يضعُهُ الآنَ فى خانةِ المعرقلينَ لا الأصدقاءِ.

إدارةُ ترامبَ توصلتْ بسرعةٍ كبيرةٍ إلى الاستنتاجِ الذى استغرقَ بايدن وقتًا طويلًا لاستيعابهِ، ووضحَ ذلكَ عندما أبلغَ مبعوثُ ترامبَ إلى الشرقِ الأوسطِ ستيفن ويتكوف عائلاتِ الأسرى الإسرائيليينَ أن الحربَ فى قطاعِ غزةَ لا معنى لها ولا هدفَ، لكنَّ نتنياهو مصممٌ على مواصلةِ القتالِ.

تجرعَ نتنياهو مرارةَ الصدمةِ ووجدَ نفسَهُ مضطرًا إلى توجيهِ الشكرِ لترامبَ قائلًا: شكرًا للرئيسِ ترامبَ على ما قدمَهُ من «مساعدةٍ» فى إطلاقِ سراحِ عيدان ألكسندر، لكنَّ هذا الشكرَ لم يخلُ من الخبثِ والمكايدةِ خاصةً عندما قالَ إنها مساعدةٌ، رغمَ أن تحريرَ الأسيرِ كانَ صفقةً أمريكيةً صميمةً لا علاقةَ لنتنياهو بها، وكانَ آخرَ من يعلمُ.

أما ترامبُ فلم يشكرْ نتنياهو على الإطلاقِ، بل أثنى على دورِ الوسيطينِ مصرَ وقطرَ فقط، وبدا كأنهُ سئمَ من نتنياهو وتصرفاتِهِ.

نتنياهو الآنَ فى مأزقٍ، ولا يبدو أنه يريدُ تهدئةَ الأجواءِ بينَهُ وبينَ ترامبَ، لاسيما عندما أمرَ جيشَ الاحتلالِ بالاستعدادِ لشنِّ عمليةِ «عرباتِ جدعون»، وهى خطةٌ إسرائيليةٌ جديدةٌ تهدفُ لتهجيرِ سكانِ غزةَ واحتلالِها لمدةٍ طويلةٍ، وزادَ نتنياهو من تبجحِهِ عندما عاودَ الحديثَ عن البحثِ عن دولٍ تستضيفُ سكانَ غزةَ بعدَ تهجيرِهم.

الشرقُ الأوسطُ برمتُهُ خلالَ الأيامِ القادمةِ إما أنهُ ينتظرُ «عرباتِ جدعون» المجرمةَ أو ينتظرُ «عرباتِ ترامب» لتوقفَ نتنياهو وتغلقَ صفحتَهُ وتنهيَ هذهِ الحربَ.