رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

خارج السطر

فى السابع عشر من مارس 2025 رحل عن عالمنا الشيخ أبو إسحاق الحوينى، أحد علماء علم الحديث، فأبان رحيله عن شعبية ساحقة لعلماء السلفية فى ربوع مصر والعالم العربى، بما يعكس توجهات قواعد عريضة فى المجتمع.

وإذا كنا لا نُنكر على أحد حُزناً أو محبة، ولا نخوض فى معايير تفضيل الناس لإنسان عن آخر، فإننا نندهش من طوابير من المريدين مُغمضى العيون، يسيرون طائعين مُخدرين خلف أناس يصرون على إدماج كثير من سمات التخلف وتراث الصحراء فى دين الإسلام. فما كان يقوله «الحويني» وينشره من عينة استعادة الجهاد للاسترزاق والحصول على السبايا، واحتقار المرأة، ومعاداة الدولة الحديثة، ورفض الوحدة الوطنية سرى فى قرى مصر، وانتقل عبر وسائط التكنولوجيا الحديثة (المخترعة فى بلاد الكفر) إلى كل الشوارع والربوع فى العالم العربى والإسلامى لتزداد المجتمعات المنغلقة انغلاقاً، وتتسع مساحات الاستبداد والإقصاء وتُهيمن الآحادية على كل شيء.

وأزعم أن هُناك منارات فكر وثقافة وإبداع خدمت الإسلام بشكل أعمق ما فعل أساطين السلفية الحديثة، لكنها بعيدة عن الضوء، مترفعة عن الذكر، منغمسون فى العمل فقط، وأبرز مثال على هؤلاء محمود حسين أحد أبرز المثقفين والمفكرين المصريين فى فرنسا.

وحكاية محمود حسين تجدونها مبسطة وجذابة فى كتاب حديث صدر مؤخراً عن دار الشروق فى نحو مئة صفحة، كتبه المفكر والمثقف الكبير سمير غريب بعنوان «محمود حسين كما عرفته»، وهو كتاب يعد إضافة مهمة للمكتبة العربية.

ذلك لأن محمود حسين كما يكشف لنا سمير غريب يمثل نموذجاً لظاهرة شديدة الغرابة فى الفكر المعاصر، إذ هو اسم مستعار لإثنين من المفكرين المصريين الذين هاجرا من مصر إلى فرنسا سنة 1966، ليقدما أبحاثهما ودراساتهما معاً معبرين عن الثقافة المصرية والعربية ومقدمين الإسلام بصورة موضوعية فريدة لكل الناطقين بالفرنسية.

وهذان العالمان هما بهجت النادى (مواليد 1936) وعادل رفعت (مواليد 1938). لقد تعرف أحدهما على الآخر فى المدرسة الفرنسية الثانوية خلال الخمسينات وتوطدت صداقتهما وتطوعا معاً فى المقاومة خلال العدوان الثلاثى سنة 1956، ثُم تعرضا للاعتقال فى الستينات بسبب توجهاتهما اليسارية، قبل أن يقررا فور الإفراج عنهما الهجرة من مصر إلى فرنسا.

عمل بهجت النادى وعادل رفعت معاً فى منظمة فتح الفلسطينية، ثُم فى اليونيسكو، ودرسا فى الجامعة ليحصلا على الدكتوراه معاً عام 1974 فى سابقة لم تتكرر فى الأوساط الغربية، ثُم ولد الاسم المستعار لكليهما عندما اشتركا فى كتابة كتاب عن «الصراع الطبقى فى مصر»، ولم تتحمس دار ماسبيرو الفرنسية لنشر اسمين غير معروفين معاً على كتاب جديد، وطلب منهما الناشر نشر اسم أحدهما، لكنهما رفضا وقررا اختيار اسم موحد هو محمود حسين لأنه اسم منتشر فى مصر.

ومع نجاح التجربة تكررت الدراسات المشتركة واشتهر اسم محمود حسين فى الأوساط العلمية والفكرية كمفكر فرنسى من أصول مصرية، وصدر لمحمود حسين كتبا عديدة قيمة باللغة الفرنسية مثل «أزمة الإمبريالية»، «السفح الجنوبى للحرية»، «بعثة بونابرت فى مصر»، ثم توالت الدراسات المُعمقة فى الإسلام فصدر لهما «نحو دراسة متعمقة للإسلام»، «التفكر فى القرآن»، «ما لم يقله القرآن»، «المسلمون أمام تحدى داعش»، وغيرها من الدراسات القيمة.

ولا شك فى أن مردود هذه الدراسات والكتب التى صححت كثير من الافتراءات والأفكار المغلوطة عن الإسلام ونبيه فى العالم الغربى، أنفع وأقيم وأعظم من جدليات الفكر السلفى المصمت، الرافض للآخر، والمعادى للحداثة.

والله أعلم

[email protected]