بالسعف والتيجان.. روح العائلة تضيء كنائس الشرقية في أحد الشعانين
في مشهد تتداخل فيه الروحانية بالمحبة العائلية، احتشد الآلاف من أقباط محافظة الشرقية داخل الكنائس، منذ صباح اليوم الأحد، لإحياء قداس أحد الشعانين، حاملين سعف النخيل المشكَّل في صور صلبان وتيجان وخواتم، صنعها الأهل والأطفال معًا تعبيرًا عن الفرحة والاستعداد لأسبوع الآلام.
داخل كنيسة الأنبا باخوم بمدينة فاقوس؛ بدأ المشهد أشبه بعرس روحي، حيث ترأس القس أندراوس ثابت قداس أحد الشعانين، وسط حضور شعبي كبير، نظمته فرق الكشافة بعناية لتسهيل دخول العائلات والأطفال، ومساعدتهم في العثور على أماكنهم داخل الكنيسة.
الأسر القبطية حضرت بكامل أفرادها، بعضهم ارتدى الملابس الجديدة، والبعض الآخر أمسك مشغولات السعف التي صنعوها معًا في منازلهم، حيث تحولت طقوس أحد الشعانين إلى مناسبة تعزز أواصر المحبة بين أفراد الأسرة الواحدة، وتربط الأجيال الصغيرة بجذورهم الدينية والروحية.
وفي محيط الكنائس؛ جلس بائعو السعف الأخضر يعرضون مشغولاتهم اليدوية، وسط ضحكات الأطفال واهتمام الأمهات باختيار أجمل الأشكال، بينما كانت الأحاديث تدور عن الذكريات والأعياد السابقة، في مشهد اجتماعي بامتياز تسوده المودة والسلام.
الاحتفالات جاءت في ظل تأمين مكثف من قوات الشرطة التي حرصت على تأمين الكنائس، لتخرج المناسبة في أجواء يغمرها الطمأنينة والفرح، مؤكدة أن الشعانين ليس فقط عيدًا دينيًا، بل لحظة إنسانية خالصة تعيد الروح إلى البيوت والقلوب.
ويُعد أحد الشعانين، المعروف أيضًا بـ"أحد السعف"، أحد أهم الأعياد في التقويم المسيحي، إذ يُحيي ذكرى دخول السيد المسيح إلى مدينة أورشليم، حين استقبله أهلها بسعف النخيل وأغصان الزيتون وهم يهتفون "هوشعنا"، أي "خلّصنا"، في تعبير عن فرحتهم به كمخلص منتظر.
ويمثل هذا اليوم بداية "أسبوع الآلام"، الذي يسبق عيد القيامة المجيد، ويجسّد مرحلة روحانية عميقة في حياة المسيحيين، يستحضرون فيها معاني التضحية والمحبة والخلاص. ومن هنا تأتي رمزية السعف التي يحملها الأقباط في هذا اليوم، كمظهر من مظاهر الترحيب والفرح، وتجسيدًا لإيمانهم وتجدد رجائهم.
كما يعد "أحد الشعانين"، أو كما يُعرف شعبيًا بـ"أحد السعف"، من أبرز المناسبات الدينية في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنائس المسيحية الأخرى، حيث يُحيي ذكرى دخول السيد المسيح إلى أورشليم، حين استقبله الشعب بسعف النخيل وأغصان الزيتون فرشوا بها الطريق، وهم يهتفون "هوشعنا لابن داود، مبارك الآتي باسم الرب".
تحمل المناسبة طابعًا مزدوجًا يجمع بين الفرح الروحي والحزن المُقبل، إذ تمثل نهاية الصوم الكبير وبداية "أسبوع الآلام"، الذي يستحضر فيه المسيحيون رحلة المسيح إلى الصليب، بكل ما تحمله من ألم وفداء، استعدادًا لعيد القيامة المجيد.
وتُستخدم السعف في هذا اليوم كتقليد رمزي له جذور في التراث الكنسي، حيث يصنع منها الأقباط صلبانًا وتيجانًا وأشكالًا رمزية يزينون بها الكنائس والمنازل، وتُعد صناعتها أيضًا نوعًا من الفنون التراثية التي تنتقل من جيل إلى آخر داخل البيوت القبطية.
ولا تقتصر رمزية الشعانين على الجانب الديني فقط، بل تتسع لتصبح مناسبة اجتماعية وعائلية تجمع أفراد الأسرة في مشهد مبهج، يبدأ منذ ساعات الصباح الأولى، وينسج خيوطًا من المحبة والطمأنينة داخل المجتمع، في لحظة ينتصر فيها السلام على ضجيج الحياة.