ذكرى إعلان وثيقة جمع الشمل
تأسيس رابطة أبناء المنخفضات الإرترية: بين الإنجازات والتحديات
تحل علينا ذكرى 29 مارس 2014 م، اليوم الذي شهد انعقاد سمنار لندن لإعلان وثيقة جمع الشمل لأبناء المنخفضات الارترية، والتى مثلت نقطة تحول فارقة فيما رسخته من نهج لعمل نضالي مبني على أسس مدروسة و وفق خطة استراتيجية تتميز بوضوح في الرؤية والرسالة والأهداف المنشود تحقيقها.

كما تميزت بالجرأة في الطرح وتناول القضايا المصيرية بموضوعية وتسمية الأشياء بمسمياتها دون مواربة ولف ودوران لتحديد مواطن الداء والدواء عبر تحليل علمي و موضوعي لتطورات الأحداث و خلفياتها التاريخية والواقع الراهن و مآلاته المستقبلية مشكله بذلك طفرة و إضافة نوعية في مسيرة النضال الوطني الارتري العام و لأبناء المنخفضات الإرترية بشكل خاص، كما أرست منهجية ومبادئ جديدة في الخطاب السياسي الإرتري المعارض.

وقد جاءت هذه الوثيقة استجابة للواقع السياسي والاجتماعي الصعب الذي افرزته سياسات الإقصاء والتهميش الناتجة من نهج و ممارسة عقلية الهيمنة القومية للنخب الحاكمة، التي عبر ذلك فرضت هيمنتها واستعلائها القومي على كافة المجالات السياسية و الثقافية والاقتصادية على حساب مكونات الوطن الاخرى ، مما افضى الى سيادة واقع التهميش وغياب العدالة وتغييب حقوق المواطنة و المكونات في إطار الوطن.
وقد كان الإنجاز الأول للرابطة في تجاوزها لهجمات وحملات تشويه مسعورة وغير مسبوقة شنت من جهات عديدة لتعقد مؤتمرها التأسيسي بعد عامين من العمل والتشاور في الفترة من 18 إلى 21 يوليو 2016، لترسخ وتطور اسس العمل المؤسسي وفق المبادئ والأهداف والرؤية التي تضمنتها الوثيقة في طياتها ، ساعية بذلك إلى ترجمة روح ومبادئ الوثيقة إلى واقع عملي من خلال تأسيس إطار تنظيمي لمجتمع مدني يمثل تطلعات أبناء المنخفضات، ويسهم في خلق وعي يساعد في إعادة تشكيل المشهد السياسي الإرتري وفق أسس أكثر عدالة وإنصافًا في تقاسم السلطة و الثروة وفرص متساوية للمشاركة في كافات مجالات الحياة للجميع.

سمنار لندن وإعلان الوثيقة: كسر التابوهات وإعادة تعريف الخطاب السياسي
قبل إعلان الوثيقة، كان الحديث عن المكونات الإرترية وحقوقها، أو استخدام مصطلح المكونات الإرترية، من الأمور المحظورة أو المثيرة للجدل في الساحة السياسية الإرترية، حتى بين أبناء المكونات أنفسهم. ولكن إعلان الوثيقة ساهم في كسر هذا الحاجز النفسي والسياسي، بل و فرضت هذه المفاهيم نفسها على الخطاب العام، لتصبح بعد ذلك جزءًا من النقاش السياسي المفتوح بين مختلف المكونات الإرترية، سواء من أبناء المنخفضات أو غيرهم من الفئات المهمشة.
المبادئ الأساسية التي أكدت عليها الوثيقة:
- الإعتراف بأن إرتريا بلد متعدد يتكون من ثقافات و لغات و ديانات وإثنيات واعراق مختلفة ،و ضرورة تقبل هذا الواقع وما يترتب عليه من حقوق وحريات ورفض كافة اشكال السياسات و ممارسات الهيمنة من اي مكون كان.
- المطالبة بالعدالة الإجتماعية والاعتراف بالتنوع الثقافي والتوزيع العادل للسلطة والثروة.
- التمسك بالحقوق السياسية والمدنية والمصالح الخاصة لأبناء المنخفضات وغيرهم من المكونات المهمشة.
- مناهضة سياسات التهجير القسري والتغيير الديمغرافي عبر مصادرة الأرض و احلال و استيطان مكونات أخري عليها.
- استنهاض مجتمع المنخفضات الإرترية للدفاع عن حقوقه الخاصة في إطار الوطن ، والعمل بفعالية مع بقية المكونات الاخرى من أجل إقامة دولة القانون و العدالة والمساواة التي تسع الجميع .
مشروع الرابطة وواقع التحديات التنظيمية:
على الرغم من الأثر العميق الذي أحدثته الوثيقة والرابطة في الوعي السياسي الإرتري، فإنها لم تكن بمنأى عن التحديات التي واجهت معظم التنظيمات الإرترية عبر التاريخ.
فقد شهدت الرابطة صعوبات تنظيمية وإدارية أدت إلى انسحاب بعض أعضائها المؤسسين، وانتهى بها الأمر إلى الانقسام إلى كيانين، في مشهد متكرر يعكس أزمة البنية التنظيمية في العمل العام الإرتري.
ورغم أن البحث في أسباب هذه الظاهرة وإيجاد حلول لها يبقى أمرًا ضروريًا لضمان استمرارية العمل المؤسسي الواعي والهادف ، إلا أن الأهم في هذا السياق هو الإشارة إلى النجاح الذي حققته الرابطة كمشروع فكري وطني ساهم على نشر و تعميق وعي جمعي آثاره ملموسة في ساحة العمل المعارض، حتى وإن تعثرت الرابطة كمؤسسة تنظيمية.
نجاح المشروع رغم التحديات التنظيمية:
على الرغم من التحديات، إلا أن الرابطة نجحت في تحقيق أهداف جوهرية، منها:
- تثبيت قيم ومبادئ وثيقة جمع الشمل كمرجعية فكرية وسياسية في الساحة الإرترية.
- إعادة تشكيل الوعي و ضرورة العمل للدفاع عن الحقوق والمصالح و الحريات لكافة المكونات.
- إدخال مفاهيم الهوية الثقافية الخاصة للمكونات إلى النقاش السياسي العام، بعد أن كانت من المحرمات السياسية.
- التأسيس لمفهوم الوطن على قاعدة الاعتراف المتبادل بالتعدد والتنوع الإرتري وحقوقه في المشاركة العادلة في تقاسم السلطة والثروة.
- تقدمها برؤية حل ثاقب لأزمة الحكم في إرتريا من خلال طرح مبادرة العقد الإجتماعي التي اطلقتها في العام 2017م من مدينة لندن، والتي تنادي بأهمية الحوار بين كافة المكونات المجتمعية الإرترية، وقواها السياسية والمجتمعية المدنية للتوافق على عقد اجتماعي جديد يؤسس لدولة المواطنة التي تسع الجميع، معتمدا نظام حكم لا مركزي دستوري (فيدرالي) لضمان تحقيق العدالة الشاملة في قسمة عادلة للسلطة والثروة بين كافة مكونات الوطن.
ختامًا:
إرث لا يمكن تجاوزه
إذا كان يمكن التأكيد على خلاصة القول بالرغم من إن الرابطة لم تتمكن من التماسك كمؤسسة تنظيمية، فإنها بلا شك نجحت كمشروع وطني وفكري، حيث أسهمت في ترسيخ مبادئ العدالة والمساواة والتعددية، واسهمت في فتحت الباب أمام نقاش سياسي أكثر انفتاحًا حول قضايا الهوية والحقوق في إرتريا وفق رؤيتها لحل المعضلة الإرترية التي طرحتها للجميع.
اليوم، وبعد أكثر من عقد على إعلان وثيقة جمع الشمل، نستطيع القول بأن الواقع الإرتري أصبح أكثر وعيًا بطبيعة التعدد والتنوع واستحقاقاته الخاصة والعامة في إطار الوطن، وأكثر إدراكًا لمسؤولياته الوطنية، واستعدادًا لمواصلة النضال من أجل إريتريا عادلة تسع جميع مكوناتها بلا تهميش أو إقصاء.
صابر رباط كاتب وناشط سياسي إرتري، ومدير المركز الثقافي الإرتري في ليدز- مهتم بالشأن الإرتري وقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في منطقة القرن الأفريقي.






- انعقاد سمنار
- سمنار لندن
- لإعلان وثيقة جمع الشمل
- وثيقة جمع الشمل
- نقطة تحول فارقة
- النضال الوطني الارتري العام
- مسيرة النضال الوطني الارتري العام
- النضال الوطني الارتري
- ارتريا
- التنوع الإرتري
- المجتمعية الإرترية
- مكونات المجتمعية الإرترية
- ابناء المنخفضات الارترية
- الإرترية
- المكونات الإرترية
- مصطلح المكونات الإرترية
- السياسية الإرترية
- الساحة السياسية الإرترية
- إعلان الوثيقة
- سياسات التهجير القسري
- التغيير الديمغرافي
- المنخفضات الإرترية
- إريتريا
- ابناء المنخفضات
- مسيرة النضال الوطني الارتري
- الخطاب السياسي الإرتري
- الخطاب السياسي الإرتري المعارض