رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

نور


وقف النائب على سلامة تحت قبة مجلس الشعب قبل عودة الوفد للحياة السياسية عام 1978، وكان يعلن رأيه فى أحد مشروعات القوانين، وفوجئ رئيس المجلس فى ذلك الوقت سيد مرعى بأن على سلامة يقول رأيه مسبوقاً بجملة «نرى نحن الوفديين».. فكان التساؤل: كيف يعلن النائب انتماءه إلى تنظيم حزبى غير موجود، ومرت الجملة دون اهتمام، باعتبارها تعبيراً عاطفياً عن انتماء على سلامة لحزب الوفد القديم الذى مات ولن يعود، ولكن ما حدث بعد ذلك كان مفاجأة مُدوية فقد عاد الوفد القديم تحت مسمى «الوفد الجديد» بنفس قياداته الجديدة، لينطلق أغرب حدث سياسى حزبى فى العصر الحديث، وهو عودة حزب مات وشبع موت بعد غياب 25 عاماً من سجن قياداته وعزل أعضائه ومصادرة أموالهم، ليتحقق التواصل بين الأجيال مرة أخرى، ويصبح على سلامة الوفدى القديم عضواً قيادياً بارزاً فى الوفد الجديد، الذى تمت تسميته بالجديد هروباً من قانون يقضى بعدم عودة الأحزاب القديمة، والمدهش هو أن المصريين لم يكن أحد منهم يسمى الوفد بالجديد، بل كانوا يطلقون عليه اسم «الوفد» مجرداً من وصفٍ ملحق بالاسم، تأكيداً على أن هذا الوفد هو نفس وفد سعد زغلول ومصطفى النحاس، وأن المصريين قد نجحوا فى استعادة حزبهم، وتأكيد فشل من يريدون الفصل ما بين وفد 1919 ووفد 1978، فى تحدٍّ تاريخى سوف نُدرسه للأجيال التى تريد معرفة المسار السليم للتاريخ دون انحراف أو التواء أو أهواء!!
ما حدث من على سلامة داخل مجلس الشعب كان تمهيداً لإعادة الوفد، ولم يكن ما قاله الرجل سوى إيحاء من فؤاد سراج الدين، لتنبيه الوفديين خارج قاعة مجلس الشعب باقتراب عودة حزبهم الممنوع، وبالفعل نشرت الصحف ما قاله على سلامة، بعضها نشر الخبر مجرداً ودون تعليق، والبعض الآخر نشره مصحوباً بسخريةٍ مفادها «أن الميت لا يعود للحياة»!! ولكن هذه السخرية لم تهز شخصاً واحداً فقط، وهو فؤاد سراج الدين سكرتير عام الوفد قبل 1952، ووكيل المؤسسين فى 1978، الذى كان يعقد ــ داخل قصره المهيب فى جاردن سيتى لقاءات مكثفة مع الوفديين القدامى لإعادة الحزب للحياة السياسية، ونجح بالفعل فيما أراد وفاز الوفد بجولة مهمة من جولات عودته للمضمار بفضل إصرار ـ الوفديين القدامى ـ وكفاحهم من أجل استمرار الفكرة التى أبداً لن تموت!!
وبينما تمارس الصحف الاعتداء على فؤاد سراج الدين بالسب والقذف والتشويه بعد ما تسربت اجتماعاته لإعادة حزب الوفد للحياة، كان الرجل يواصل لقاءاته، وفى يوم مهم من أيام التاريخ قام سراج الدين بجمع عدد من النواب أعضاء مجلس الشعب المنتمين لحزب الوفد قبل 1952 أو النواب الذين كانت عائلاتهم منتمية للحزب، ولكنهم خاضوا الانتخابات دون الانتماء لحزب غيره، فقد كان هؤلاء النواب يخوضون الانتخابات مستقلين، وكانوا يكتبون فى دعاياتهم (مستقل على مبادئ الوفد).. كان اجتماعاً مدهشاً ومهيباً وتاريخياً بعدما قال فؤاد سراج الدين وهو ممسك بسيجاره الشهير: إحنا هانرجع الوفد تاني!! انقلبت الدهشة إلى فرحة.. وقال النواب المجتمعون: إحنا تحت أمرك يا باشا.. شوف عايز مننا إيه ونعمله... قال فؤاد سراج الدين: إحنا عايزين توقيعات 20 نائباً لتزكية قرار التأسيس طبقاً للقانون، وبالفعل قام 19 نائباً وفدياً بالتوقيع منهم على سلامة، كرم زيدان، طلعت رسلان، علوى حافظ، وغيرهم.. وقبل أن يبحث فؤاد سراج الدين فى اليوم التالى عن العضو العشرين فوجئ بنائب اشتراكى هو أحمد طه يزوره فى منزله بعدما علم بعملية جمع التوقيعات، وقال له: أنا رقم عشرين يا باشا!! الوفد لازم يرجع!! فقال له فؤاد سراج الدين: بس إنت انتماءك مش وفدى يا أحمد بك.. ثم إنك راجل بتدافع عن حقوق العمال وانضمامك لنا ممكن يضرك وانت بتتفاوض مع السلطة.. هايضايقوك!! ولكن رد أحمد طه كان حاسماً: والوفد إيه يا باشا.. ده حزب العمال والفلاحين.. والسلطة اللى تزعل علشان بأساعد فى عودته تبقى بتدور على سبب لمضايقة العمال.. أنا معاكم والوفد لازم يرجع!! ووقع أحمد طه باعتباره النائب رقم 20 فى طلب التأسيس. 
وبالفعل عاد الوفد (القديم) بمسماه المضاف إليه (الجديد)، إلا أن الحزب قرر بعد فترة قصيرة تجميد نشاطه لفترة بعد صدامات عنيفة مع الرئيس السادات، وهى الصدامات التى بلغت ذروتها فى سبتمبر عام 1981 باعتقال فؤاد سراج الدين، رئيس الحزب، وعدد من قيادات حزب الوفد الجديد(القديم). 
بعد اغتيال أنور السادات، قرر الحزب العودة مرة أخرى من خلال إلغاء قرار التجميد، وبالفعل حصل على حكم قضائى بالعودة مرة أخرى فى عام 1984، ليستمر الحزب فى أداء دوره الوطنى الذى اعتاد عليه لسنوات طوال، وكان اعتماده الأساسى على العائلات الوفدية القديمة التى انضمت للحزب، إما بشخص كبيرها الذى كان باقياً على وجه الحياة، أو أبناء الجيل الثانى أو الثالث الذين ما زال الكثيرون منهم باقين داخل الحزب حتى اليوم ويجهزون أبناءهم لدعم المسيرة الوفدية الطويلة لمائة عامٍ أخرى!!
ولكن السؤال.. كيف لهذا التنظيم المُدهش أن يستمر لكل هذه السنوات؟ وكيف له أن يواجه كل هذه المعارك من أجل البقاء.. ورغم ذلك يبقى؟
المسألة بسيطة.. نُلخصها فى أن الوفد منذ تأسيسه الأول، تمكن من وضع سياقٍ تنظيمى رائع جعله قادراً على صناعة هرمٍ متدرجٍ يحمل فى كل طبقة منه قطاعاً عمرياً واقتصادياً ومهنياً مختلفاً بما يضمن له التنوع والتراكم العمرى والقيمى والطبقى، وبما يضمن له بالتالى الاستمرار لما يزيد على مائة عام... وقد كان ـ وما زال ـ ما تم التخطيط له يسير بشكل طبيعى، وهو ما منح الحزب قبلات الحياة الطويلة حتى اليوم، فمازالت التركيبة القديمة باقية فى معظم درجات الهرم، ربما تآكلت بعض الفئات نتاج بعض الخلل الذى حدث عقب تعرض الحزب لرياح تغيير عنيفة، ولكن الجسم الرئيسى للحزب ما زال باقياً صامداً، فى معركة شرسة للحفاظ على الهوية التى تمثل للوفد عموداً فقرياً، ورغم تعرض الحزب لمحاولات تغييب لهذه الهوية وكسر لهذا العمود الفقرى، للقضاء نهائياً على الفكرة والتراكم والتنظيم، إلا أن محاولات تغيير الهوية تصطدم دائماً بصلابة مذهلة من المنتمين للوفد وتاريخه وسط اندهاشات الراغبين فى كسر العمود الفقرى للحزب ممن يتمنون مسح هويته من عقول شبابه ورجاله ونسائه!!. 
الخلاصة.. الوفد هوية وفكرة وبشر.. وسنظل (نحن الوفديين) نواصل ما بدأه سعد والنحاس وسنقوم بتنفيذ ما تعلمناه من فؤاد سراج الدين.. والله المستعان.