تحليل تكتيكي: دروس مستفادة من بداية توخيل مع منتخب إنجلترا

يواصل توماس توخيل رحلته مع المنتخب الإنجليزي بعد توليه القيادة الفنية، وسط طموحات كبيرة بتحقيق هوية جديدة للفريق تعكس أسلوبه التكتيكي المتقدم. ورغم تحقيق انتصارين على ألبانيا ولاتفيا، فإن الأداء لم يكن مبهراً، لكنه حمل إشارات واضحة إلى تغييرات تكتيكية قادمة.
1. صعوبة فرض الإيقاع السريع
أكد توخيل منذ البداية رغبته في فرض إيقاع سريع على أداء المنتخب الإنجليزي، مستوحياً ذلك من أجواء الدوري الإنجليزي الممتاز. ومع ذلك، وجد أن تنفيذ هذا الأسلوب أمام فرق متكتلة دفاعياً مثل ألبانيا ولاتفيا ليس سهلاً.
عبر المدرب الألماني عن إحباطه بسبب بطء بناء اللعب، قائلاً: “بدأنا ببطء شديد، وكنا نمرر الكرة كثيراً بدون حركة، وهذا لا معنى له”. وبعد مباراة ألبانيا، أضاف: “لست متأكداً بعد لماذا واجهنا صعوبة في إيصال الكرة إلى الأجنحة بشكل أسرع”.
توخيل يدرك أن التحول إلى أسلوب أكثر سرعة وجرأة يحتاج إلى وقت، خاصة مع إعادة تشكيل هوية الفريق وتحفيز اللاعبين على اتخاذ قرارات أكثر جرأة في الهجوم.
2. تغيرات في هيكلة خط الوسط
كانت واحدة من أبرز ملامح التغيير مع توخيل هي طريقة توظيف لاعبي الوسط. بدأ المنتخب الإنجليزي مواجهة ألبانيا بمثلث وسط هجومي يضم جود بيلينغهام وكيرتس جونز كلاعبي وسط متقدمين، بينما تولى ديكلان رايس دور الارتكاز.
في المباراة الثانية ضد لاتفيا، تغير الشكل إلى مربع وسط مكوّن من رايس ومايلز لويس-كيلي في الخلف، مع بيلينغهام ومورغان روجرز في الأمام. هذه التحولات تشير إلى فلسفة توخيل الجديدة، حيث يسعى إلى إشراك لاعبي “رقم 10” في الوسط ومنح الفريق نزعة هجومية أكبر.
إنه ابتعاد واضح عن نهج غاريث ساوثغيت، الذي كان يعتمد على لاعبي ارتكاز دفاعيين لتأمين الوسط. توخيل، على العكس، يبحث عن منظومة أكثر مرونة وديناميكية تدفع الفريق نحو الهجوم بشكل أكثر جرأة.
3. الظهير العكسي ورؤية تكتيكية متطورة
في ظل الدفع بلاعبي وسط هجوميَّين، واجه توخيل معضلة كيفية تأمين الوسط دفاعياً. في البداية، اعتمد على عودة كيرتس جونز لدعم ديكلان رايس في لحظات فقدان الكرة.
لكن التطور الأبرز كان في مباراة لاتفيا، حيث تحول مايلز لويس-كيلي من مركز الظهير الأيسر إلى وسط الملعب، وهو ما يوضح تفكير توخيل في توظيف الأظهرة بطريقة مشابهة لما يفعله بيب غوارديولا مع مانشستر سيتي.
علاوة على ذلك، استخدم رييس جيمس كظهير عكسي في الشوط الثاني، قائلاً: “إذا كانت المباراة مسيطرة، فيمكنه التحرك إلى الوسط لخلق زيادة عددية، لكن في المباريات المفتوحة لست متأكداً أن هذا يناسبه تماماً”.
هذه التعديلات تعكس تفكير توخيل في كيفية تحقيق توازن بين الهجوم والدفاع، وهو أمر سيكون حاسماً عندما يواجه منتخبات أقوى في مراحل متقدمة من كأس العالم 2026.
4. الأجنحة الهجومية ومعضلة العزلة
من أبرز مطالب توخيل كانت زيادة الفاعلية الهجومية من الأجنحة. انتقد أداء ماركوس راشفورد وفيل فودين بعد مباراة ألبانيا، مطالباً بمزيد من الجراءة في الاختراق والتسديد نحو المرمى.
في مباراة لاتفيا، استجاب راشفورد جزئياً لهذا الطلب، حيث صنع ست فرص وأرسل 11 كرة عرضية. أما جاريد بوين، فظهر بمستوى ضعيف حتى تم استبداله بمورغان روجرز، الذي قدم أداءً أفضل.
لكن المشكلة التي ظهرت بوضوح هي عزلة الأجنحة في كثير من الأحيان، وهو أمر مشابه لما يعانيه لاعبو مانشستر سيتي هذا الموسم في غياب الأظهرة التي تدعمهم هجومياً.
توخيل الآن أمام تحدٍ حقيقي: إذا قرر الإبقاء على الأظهرة في أدوار دفاعية لتعزيز الوسط، فسيترك أجنحته بلا دعم كافٍ، مما قد يؤثر على الفاعلية الهجومية. وإذا دفع بالأظهرة لمساندة الأجنحة، فقد يعاني فريقه من المرتدات.
ختاماً: لمحات من المستقبل
من الواضح أن توخيل يسير في اتجاه بناء فريق أكثر مرونة هجومية مع إنجلترا، لكن تحقيق هذه الفلسفة لن يكون سهلاً أو سريعاً. لا تزال إنجلترا تبدو شبيهة بفريق ساوثغيت في كثير من الجوانب، لكن التفاصيل التكتيكية الجديدة تشير إلى تغييرات قادمة.
التحدي الأكبر الآن هو تطبيق هذه الأفكار ضد فرق أقوى من ألبانيا ولاتفيا. ومع تأهل إنجلترا المتوقع إلى كأس العالم 2026، فإن الاختبار الحقيقي سيكون في مواجهة المنتخبات الكبرى، حيث سيحتاج توخيل إلى إثبات أن أسلوبه قادر على تجاوز “عقدة الفريق الوصيف” وتحقيق الألقاب.