رمضان في الذاكرة العربية.. كتاب للباحث فؤاد مرسي
صدر حديثا للباحث والروائي فؤاد مرسي عن معهد الشارقة للتراث، بدولة الإمارات العربية، كتاب "رمضان في الذاكرة العربية"، ونوقش الكتاب ضمن فعاليات معرض فيصل للكتاب الذي نظمته الهيئة المصرية العامة للكتاب، حيث ناقشه كل من ا.د.خالد أبوالليل، د.السيد رشاد، وأدارت الندوة الكاتبة إيمان السباعي.
وفي كتابه يشير الباحث "فؤاد مرسي" إلى أن المادة الرمضانية تمنحنا أفقاً واسعاً لفهم المرتكزات والمشتركات الثقافية للشعوب العربية؛ فقد أحاط المجتمع العربي شهر رمضان بحفاوة فريدة، تُعبِّر عن اهتمامه الخاص به وتضفي مسوحاً مميزةً على مفرداته كافة، كما شمله بإطار متكامل من المظاهر والعادات المبرزة لخصوصيته، ومكانته الرفيعة الشأن، العاكسة لانشغالات أبنائه الروحية، بما أحال مشهديَّته على مدار التاريخ إلى حالة استثنائية.
ويقول المؤلف إن الناس قد تعاملوا مع هذا الشهر الكريم بوصفه ضيفاً عزيزاً يُنتظَر حلوله بشوق شديد من العام إلى العام، يُعدّون ويتجهزون له، حتى إذا ما بان هلاله وأُعلِن قدومه، عمَّت الفرحة الأرجاء، وساد السرور نواحي النفس، وبدّل الناس عاداتهم وسلكوا طرقاً مختلفة، فتراهم وقد تخلوا عن ذواتهم الفردية وقطعوا شوطاً نحو الذات الجمعية؛ إذ يستهلون الشهر بالتسامح والعفو عن بعضهم بعضاً وتنقية النفوس من الضغائن وتصفية المشاحنات، والحرص على الالتفاف حول مائدة واحدة، يلتقمون الطعام والشراب نفسه، وتضمُّهم السهرات الدينية والاجتماعية، يروحون ويجيئون في جماعات مصطحبين أطفالهم؛ بغية تعويدهم هذه الأجواءَ بطقوسها التاريخية المتوارثة، ومن ثمّ تشجيعهم على الحفاظ عليها واعتناقهم لمبادئها وتبني ترويجها واستمرارية تناقلها عبر الأجيال الجديدة.
وإلى جانب تجليه في أداء العبادات والفُروض، والحرص والإقبال عليها، تقرباً من الله وأملاً في الفوز برضاه وعفوه ورحمته؛ فإن المجتمعات العربية أنتجت – كذلك - عدداً من الممارسات الاجتماعية والمادية والمظاهر الاحتفالية، العاكسة للفلسفة التي ينطوي عليها الشهر المبارك، وقد صارت هذه الممارسات رفيقاً للروح في هذا الشهر وعلامته الدالة عليه؛ من تعليق للزينات والفوانيس في الشوارع، وتكثيف إضاءتها، والاحتفال برؤية الهلال، وترديد الأغاني له، سواء الرمزية أم الصريحة، واسترجاع ما أنتجته الإبداعية العربية من فنون وآداب، عبرت عن هذه الاهتمامات، وكذا إقامة الولائم الجماعية وموائد الإفطار الخيرية، وتخصيص أطعمة وأشربة وحلويات معينة لهذا الشهر، فضلاً عن السهرات الأثيرة التي تعبق أجواءها رائحة البخور الحالمة.. إلى آخر ما تعكسه هذه الممارسات من تأثيرات على أطياف المجتمع، ولا سيَّما ممارسو الحرف التقليدية، الذين تنشط أعمالهم خلال هذا الشهر على وجه الخصوص.
وهذه الممارسات والتجليات الثقافية الفنية تجعلنا أمام واحد من أهم إشراقات الشخصية العربية، التي وسمتها بطابع فريد، كان وراء اجتذاب عيون الرحَّالة الأجانب والمستشرقين إليها، فقاموا بتسجيل مظاهرها بانبهار لافت.
مضيفا: ربما تكون قد انحسرت مظاهر رمضانية كثيرة، وانسحبت إلى خانة الذكريات بصورة كاشفة عما حدث من تغيرات اجتماعية، جرفت في طريقها عادات كانت تؤسس للبهجة وانشراح الصدور والانفتاح على الكون بأسره، والخروج من شرنقة الذات، سواء الفردية أو الأسرية، إلى الساحة الجمعية؛ حيث لم تكن دولة عربية تخلو من مظاهر مميزة لشهر رمضان، عاشت في كنفها وأضافت إليها من إبداعيتها الخاصة، غير أن العديد من هذه المظاهر - كما أسلفنا - ربما يكون في طريقه للاندثار أو اندثر بالفعل بسبب سطوة الحياة الحديثة وغلبة التكنولوجيا على الحياة، مما أجبر الأجيال الحالية على المضي في مسارات جديدة على غير ما عاشت وألفت الأجيال السابقة، مما أصاب العديد من هذه المظاهر بالتشوش أحياناً والتخلي أحياناً أخرى، ومع ذلك فهي تظل حاضرة في الوجدان، تستدعيها الذكريات وتهرع إليها النفوس بمجرد إتاحة الفرصة لها.
ما الذي تخلت عنه المجتمعات العربية إذن؟ وما الذي أبقت عليه من مظاهر رمضانية؟ هذه إحدى مشاغل هذا العمل، إلى جانب كونه يستهدف في المقام الأول التوثيق للمادة الرمضانية وحفظها، لتظل متاحة دائماً لمن يريد؛ وهو ما يمنح عملاً كهذا مشروعيته؛ حيث يعكف على جمع المادة الرمضانية من مظانها المختلفة، سواء المندثرة أو الباقية، وتصنيفها موضوعياً، وتحريرها وتوثيقها بما يحفظ لهذه الأمة تاريخها الاجتماعي، وهي مادة تكشف بصورة كبيرة عن التداخل بين العادات والتقاليد العربية بروافدها المختلفة، كما تكشف عن وحدة الوجدان أو المزاج العربي.
ويُشار إلى أنه سبق للكاتب أن أصدر كتابا بعنوان "معجم رمضان"، قام فيه بجمع وتوثيق المظاهر الرمضانية وتجلياتها وتمثلاتها المختلفة في دولة مصر، ويعد واحدا من المصادر الرئيسة هنا.
