عاجل
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

فى الخامس والعشرين من ديسمبر عام 1991، تم إنزال علم المطرقة والمنجل السوفيتى للمرة الأخيرة فوق الكرملين، ليُستبدل بعد ذلك بالعلم الروسى ثلاثى الألوان. لقد انهار الاتحاد السوفيتى.
والآن يرى البعض ما يعتبرونه من علامات الانحدار فى الولايات المتحدة الأمريكية: القوة العسكرية الأمريكية النسبية، والإنفاق والعجز، والتوسع الجيوسياسى، والتحول فى السلوكيات الأخلاقية والاجتماعية ووتراجع القوة الأمريكية وانسحابها من المعاهدات وفرضها لرسوم تجارية عالية على حلفائها وجيرانها وحتى إعلان الخطط لضم كندا وجرين لاند والاستيلاء على قناة بنما وقطاع غزة وتهجير أهلها إلى مصر والأردن (ثم التراجع مؤخرا عن هذه الخطط).
يبدو أن عالمنا يمر بتغيرات هائلة فى صعود وسقوط القوى العظمى والإمبراطوريات، وهى ظاهرة تم مناقشتها وتحليلها من قبل مؤرخين عظام فى الماضى. وأنا هنا أشير إلى أعمال المؤرخ والفيلسوف العربى عبدالرحمن ابن خلدون ( 1332-1406)، والمؤرخ البريطانى إدوارد جيبون1737)–1794 )، والتى تُعد من أبرز المساهمات فى مجالى التاريخ وعلم الاجتماع.
يقدّم كل من ابن خلدون فى المقدمة وجيبون فى The History of the Decline and Fall of the Roman Empire, ( تاريخ انحدار وسقوط الإمبراطورية الرومانية) تحليلات شاملة لصعود وسقوط الحضارات، ولكن من خلال أطر فكرية وثقافية وزمانية مختلفة. بمقارنة ومقابلة هذين العملين، يمكننا استكشاف الأرضية المشتركة والرؤى الفريدة التى يقدمها كل مؤلف حول دراسة التاريخ والسياسة والمجتمع.
تُعد المقدمة لابن خلدون عملًا تأسيسيًا فى علم الاجتماع وفلسفة التاريخ. كُتبت فى القرن الرابع عشر، وكانت ثورية فى تركيزها على القوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التى تؤثر على صعود وسقوط الحضارات. حلّل ابن خلدون المجتمع البشرى كنظام ديناميكى تحكمه مبادئ مثل «العصبية» (التضامن الاجتماعي)، والتى اعتبرها القوة الدافعة وراء قيام الدول والإمبراطوريات. نظريته حول التاريخ الدائرى تفترض أن الحضارات تمر بمراحل متوقعة: تُولد، تنضج، وتنهار حتمًا عندما تضعف عصبيتها نتيجة للترف والفساد والتراخى.
فى المقابل، يركز جيبون فى تاريخ انحدار وسقوط الإمبراطورية الرومانية، الذى نُشر فى ستة أجزاء بين 1776- 1789، بشكل خاص على انهيار الإمبراطورية الرومانية، ويقدم سردًا يوضح الأسباب الداخلية والخارجية لتفككها. عزا جيبون انهيار روما إلى مزيج من الانحلال الأخلاقى، وظهور المسيحية، والغزوات البربرية. وكما هو الحال مع ابن خلدون، اعتقد جيبون أن الضعف الداخلى للمجتمع—سواء الأخلاقى أو المؤسسي—يجعله عرضة للتهديدات الخارجية. ومع ذلك، فإن تركيز جيبون على الانحطاط الأخلاقى والدينى يعكس رؤيته للعالم فى عصر التنوير، حيث تُفضل العقلانية والتشكيك على القوى الميتافيزيقية التى غالبًا ما تظهر فى التواريخ السابقة للغرب.
بينما يتناول كلا العملين موضوع الانهيار المجتمعى، فإن نهج ابن خلدون أوسع نطاقًا، حيث يسعى إلى تطوير نظرية تاريخية شاملة تنطبق على مختلف الحضارات. وهذه المقارنة سنفصلها فى مقال لاحق.