دوحة المقاصد
الزكاة ركن الإسلام الثالث، وهى قرينة الصلاة، ومن مفاتيح الجنة، وبها تقوى أواصر الأخوة بين المسلمين، وهى باب التراحم والتكافل مع المحتاجين، وهى عبادة أهل اليقين الذين يُتاجرون ليوم الدين رغبة فى تثقيل الموازين، والمتأمل فى مقاصد الزكاة يلحظ أن مقصدها لها أبعاد تربوية واجتماعية واقتصادية بل وسياسية، ومقاصد تعود على المًزَكِى، ومقاصد تعود على المُزَكَى عليه، وعلى المجتمع ككل، وعلة ذلك: أنه لا ينظر إلى الزكاة عند الكثير من أهل العلم على أنها عبادة محضة كالصلاة، بل ينظر فى جانبٍ منها إلى العلل الموجبة، ويجرى فيها القياس، وتسرى فيها قاعدة المصالح المرسلة والاستصلاح كما فى المعاملات، ويمتد حكمها على كل جديد من أنواع المال النامى.. وسوف نعرض لكليات هذه المقاصد:
1− مقصد التعبد: هذا هو المقصد الرئيس فى كل العبادات، فالزكاة عبادة مالية، وهى وإن لم تكن عبادة محضة لتعلقها بحقوق الفقراء من العباد، إلا أن حق الله فيها غالب. لذلك توعد الله من لم يخرجها بالعذاب قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيم) (التوبة:34).
2− مقصد التقوى: وهو مقصد بارز جدًا فى فريضة الزكاة والصدقات بصفة عامه، فالله تعالى وصف أهل التقوى بالإنفاق؛ فقال تعالى: (الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون) (البقرة:1−3) وأدخل أهل الزكاة فى زمرة المتقين الفائزين بالجنة، فقال سبحانه: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (الذاريات: 15−19).
3− مقصد التزكية والطهارة: فالزكاة مزكية للنفس ومطهرة للمال: قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) (التوبة: 103).
4− مقصد المواساة: ويقصد بالمواساة: كفايةُ حاجةِ محتاجِ الشيء مِمَّا به صلاحُ حاله، وهذا ما يتجلى فى الزكاة؛ حيث يُواسى الغنيُ الفقيرَ، يخفف عنه شدة الحاجة والعوز، ويفرج كربه ويقضى دينه، وتحت هذا المقصد تتجلى مقاصد أخرى مثل مقصد التراحم والتكافل، واللذين يتكاملان مع مقصد المواساة ليصنعوا جميعًا الجسدَ الواحدَ والبنيانَ المتماسك، مصدقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: ∩المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وشبك بين أصابعه∪. (متفق عليه). وقوله صلى الله عليه وسلم: ∩مثلُ المؤمنين فى تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ مثلُ الجسَدِ، إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى∪ (متفق عليه).
5− مقصد الأمن المجتمعي: فالمجتمع الذى يتسم بالتعاون والتراحم والتكافل مجتمعُ أمنٍ تختفى فيه الجرائم، والزكاة كفريضة ُتعالج فتنة الفقر التى قد تدفع إلى تهديدِ أمنِ المجتمع نتيجةً للجوع والفاقة، لذلك قال ربنا: (الَّذِى أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف) (قريش: 4)، كما قرن الرسول تعوذه من الكفر والفقرِ فقال: ∩اللهمَّ إنى أعوذ بك من الكفر والفقر، اللهم إنى أعوذ من عذاب القبر، لا إله إلا أنت∪ (رواه أبو داود). وأخيرًا نقول: لو أخرج المسلمون زكاة أموالهم فقط لأخرجنا ملايين البشر من دائرة الكفاف والعوز إلى دائرة الكفاية والاكتفاء، ثم نرتقى بهم فى دائرة الكفاءة والارتقاء.