رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

دوحة المقاصد

حفظ الوطن

بوابة الوفد الإلكترونية

المقاصد الشريعة ليست محصورة فى عدد معين، فهى ليست من الأمور التوقيفية، بل هناك العديد من الرؤى والأطروحات  العلمية الرصينة، قديماً وحديثاً، والتى أضافت لهذه المقاصد مقاصد أخرى، سواء أدخلتها فى دائرة الضروريات أو ألحقتها بها  أو جعلتها من الحاجيات، وسواء جعلتها من الكليات الكبرى أو المقاصد العامة، ومن هذه المقاصد: مقصد حفظ الوطن، نظراً لما شاهده العقل الفقهى المعاصر من تداعيات ألمت بالعالم العربى والإسلامى من بداية الألفية وحتى الآن، سقطت فيها دول، وغيرت فيها أنظمة ودمرت فيها أوطان، وشردت فيها شعوب، ما استوجب التأكيد على أن حفظ الوطن من مقاصد الشريعة؛ لأن المقاصد الكبرى تحتاج لوعاء يحتويها، فإذا ضاع الوطن وسقطت أركانه روع الإنسان وأزهقت النفوس وهتكت الأعراض وسرقت الأموال.. وبفوات كل هذا يفوت الدين بلا شك، وهذا مدخل تأصيلى تعضده أدلة معتبرة تؤكد محبة ومكانة الأوطان فالله عزوجل يقول: ∩ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم∪ (النساء: 66) فقد قرن بين قتل النفس والخروج من الأوطان بجامع الشدة على النفس، وأنه لو كتبهما على الناس ما فعلوه إلا قليل، لذلك وجدنا الرسول الكريم − صلى الله عليه وسلم− يقول فيما روته السيدة عائشة رضى الله عنها−: ∩اللهم العن شيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وأمية  بن خلف؛ كما أخرجونا من ديارنا∪. (رواه البخارى ومسلم)، وعند خروجه من مكة مهاجراً سمع يقول: ∩والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله−عز وجل− ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت∪. (أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه وابن حبان والحاكم فى المستدرك)، وفى رواية أخرى: ∩ما أطيبك من بلد، وما أحبك إلى، ولولا أن قومى أخرجونى منك ما سكنت غيرك∪. (رواه الترمذي)، قال الحافظ الذهبى معدداً طائفة من محبوبات رسول الله: ∩وكان يحب عائشة، ويحب أباها، ويحب أسامة، ويحب سبطيه، ويحب الحلواء والعسل، ويحب جبل أحد، ويحب وطنه∪، وعليه فإن محبة الأوطان من ثمار الإيمان، وأن الانتماء للوطن لا يتعارض مع الانتماء للدين، وأن الانتماء للوطن لا يتعارض مع الانتماء للأمة، وعند العقلاء: فإن دوائر الانتماء هنا تتلاقى ولا تتصادم، لكن للأسف عندما غاب أهل الفطن، وأفتى البعض بتعارض الانتماء للإسلام وحب الوطن، وصلنا لما نحن فيه من شدائد المحن، لذلك أدخل حفظ الوطن فى دائرة المقاصد المعتبرة للشريعة درءاً للمفاسد التى تولد الفهم المغرض الذى يقول بهذا التعارض المزعوم. 

وكما هو معلوم فإن هذا المقصد الشرعى يحفظ من جانب الإيجاب بتحصيل ما يقيم أركانه ويثبت قواعد بنيانه، ويحفظ من ناحية العدم بدفع كل ما يقوض بنيانه وينشر الفساد بين أركانه، ومثال حفظه من جانب الوجود: أن تنشأ فيه المؤسسات الحافظة لبقائه وارتقائه، وأن ينهض أبناؤه بنهضة قيمية وعلمية ومعرفية وصناعية تحفظ له استقراره وترهب أعداءه، وأن يوكل الأمر فى كل مرافقه إلى الأكفاء وأن ينحى غير القادرين، ومن أجل حفظه من جانب العدم: شرعت عقوبات عديدة للعديد من الجرائم، يأتى على رأسها جرائم الخيانة العظمى والحرابة وقطع الطرق وترويع الآمنين وتجارة السلاح والمخدرات والاتجار فى البشر.. وغيرها، وكل ذلك يصب فى حفظ الكليات: الدين والنفس والعقل والعرض والنسل والمال، ما يبرهن على أن حفظ مقصد الوطن هو ضامنة لحفظ بقية المقاصد، وبزواله تهدد جميعها وجوداً وعدماً.