فِى ذلِكَ الْيَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أَبْرَامَ مِيثَاقًا قَائِلًا: «لِنَسْلِكَ أُعْطِى هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلَى النَّهْرِ الْكَبِيرِ، نَهْرِ الْفُرَاتِ». (سفر التكوين 15: 18).
من هذا النص انطلق رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، ومن قبله وزير ماليته المتطرف سموتريتش، ومن قبلهما مؤسس الحركة الصهيونية العالمية هرتزل والمشروع الصهيونى الاحتلالى التوسعى خلف وهم وخرافة «إسرائيل الكبرى». على أن تكون حدود هذه الدولة المزعومة كل الأراضى المحتلة عام 1948 والضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان، إلى جانب أراض من مصر، سيناء على وجه التحديد، وأجزاء من الأردن. وهى نبوءة مُختلَقة، ووهم استعمارى شكلت جوهر المشروع الصهيونى التوسعى. إذن نحن نتحدث عن مشروع قديم، وهذا طرح ليس بجديد، لكن لماذا يتجدد الحديث الآن؟؟
بعيدا عن التفسيرات الدينية، أولًا: الحديث عن وهم «إسرائيل الكبرى» هو حديث كل حرب، يتجدد مع كل حرب تدخلها إسرائيل، وإن كانت هذه الحرب، وهذه المرة تنطوى على اختلاف من وجهة نظر اليمين المتطرف ونتنياهو، مرجع هذا الاختلاف أن بعض هذه الأوهام التوسعية قد بدأ فى التحقق بالفعل، تقويض حزب الله، ضم المزيد من الأراضى فى العمق السورى، العدوان على غزة ومحاولة التغيير الديمغرافى التى تفرضها إسرائيل فى غزة من خلال حرب تطهير عرقى مستمرة لما يقرب من عامين.
وثانيًا، لا يمكن فصل هذا الحديث المتواتر المتعلق بخرافة «إسرائيل الكبرى» عن الإعلان عن خطة E1 الاستيطانية التوسعية فى الأراضى المحتلة فى الضفة الغربية، ما يؤدى إلى فصل الضفة الغربية إلى جزأين (شمالى وجنوبى)، ما يعوق الترابط المكانى بين رام الله (شمال) وبيت لحم (جنوب) ويساهم فى القضاء على التقسيم القائم. إلى جانب ترسيخ الأغلبية اليهودية فى محيط القدس الشرقية وتعزيز توسيع «القدس الكبرى»، بما يضعف الوجود العربى الفلسطينى فى المدينة إلى حده الأدنى. وهو ما يجعل قيام دولة فلسطينية متصلة ومستقلة غير ممكن فعليًا، وما يعنيه إقرار وتنفيذ تلك الخطة من تصفية وإجهاض فعلى لحلم الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وهى الرؤية والهاجس التى طالما أزعجت نتنياهو الذى طالما رأى أنه حتى مع احتفاظ إسرائيل بغالبية أراضى الضفة الغربية مع استمرار وجود أغلبية سكانية عربية فذلك بمثابة كابوس ديمغرافى وأمنى لإسرائيل. وكما ذكر نتنياهو نفسه فى عديد كتبه ومحاضراته أن «الاستيطان فى الضفة والقدس يحقق النبوءة».
وثالثاً، لا يمكن إغفال استغلال نتنياهو لعنصر الدين والنبوءات الدينية اليهودية التوراتية وتوظيفها واستثمارها لأسباب سياسية، يغازل بها مشاعر قطاع عريض من اليهود المتطرفين، يلعب على أوتار التطرف الدينى المتغلغل فى المجتمع الإسرائيلى ليحقق مكاسب انتخابية وسياسية.
مشروع أو وهم «إسرائيل الكبرى» مبنى على أساطير وأوهام سياسية استراتيجية، لا أحلام حقيقية أو نبوءة دينية وإن صح التعبير والقول هى نبوءة وتفسيرات دينية انتقائية تُوظف سياسياً، لذلك هو خرافة غير قابلة للتحقق.