مراجعات
عندما يقول الروائي والفيلسوف «فيودور دوستويفسكي» إنه «لا يبقى في الذاكرة سوى ما نريد نسيانه»، فإن تلك المقولة قد تنطبق على سوريا «الجريحة»، التي نرجو لها أن تتعافى، وتندمل جراحها قريبًا.
ما تابعناه، خلال الأيام الماضية، من «قتلٍ على الهوية» و«تطهيرٍ طائفي» و«إعداماتٍ ميدانية» و«مجازر وحشية»، نفّذتها عناصر تابعة لـ«الجولاني»، وراح ضحيتها مئات الأشخاص، في محافظات الساحل السوري، لا يمكن أن ينتمي لثورة، ولا أقل من وصفه بالهمجية والفاشية، وجرائم ضد الإنسانية.
منذ سقوط نظام بشار، وسيطرة «سلطة الأمر الواقع» على الوضع في سوريا، قلنا وقتها إنه من المبكر جدًا توقع ما سيحدث خلال الأشهر الثلاثة الأولى، ولننتظر الأفعال على أرض الواقع، بعيدًا عن «تطمينات» أحمد الشرع «أبومحمد الجولاني سابقًا»!
يقينًا، نقف بقوة، مع اختيارات السوريين، الذي عاشوا عقودًا من القمع والقتل والدمار والتشريد والفقر، لكن ما يدعو للقلق أن تتغير القيادة، في الوقت الذي تتزايد فيه معاناة الشعب، وتتسع فيه رقعة «الاحتلال الإسرائيلي» بضم أراضٍ سورية جديدة، تزامنًا مع تطهير طائفي ومجازر وحشية «مصورة» لمئات الأشخاص المدنيين العلويين!
نعلم أن تطمينات «أحمد الشرع» كانت «مريحة» أكثر مما ينبغي لـ«إسرائيل»، بأن الدخول في مواجهتها ليس أمرًا مطروحًا، ولذلك نأمل أن يوقف أتباع «أبومحمد الجولاني» ممارساتهم الوحشية، بحق قطاعات من الشعب، الذي هو في أمَسِّ الحاجة إلى رسائل طمأنة، مقرونة بأفعال واقعية وملموسة.
اللافت أن ارتكاب الدولة ـ أو بالأحرى عناصر من أجهزتها التنفيذية ـ جرائم خارج إطار القانون، يفتح الباب لجعل الاستثناء قاعدة، وهكذا يغدو «الشرع/ الجولاني» صورة مكررة من «بشار الأسد» لكنها ملتحية فقط!
المؤسف أيضًا أن البعض أعطى لنظام «أبومحمد الجولاني»، المعروف باسم «أحمد الشرع»، كل المبررات لقتل وسحق كل مَن يخرح عليه، لكن ربما تناسى هؤلاء أن نفس «المنطق» كان يستخدمه «نظام بشار» أيضًا ضد مَن خرجوا عليه وحملوا السلاح في وجهه!
إن الفيديوهات المتداولَة القادمة من سوريا تحمل مشاهد مروعة ومرعبة وممارسات وحشية دنيئة، لا يمكن تَحَمُّل فظاعتها وبشاعتها، خصوصًا أنها مصحوبة بالتهليل والتكبيرات والشعارات الطائفية، التي رفضناها في السابق، ونؤكد رفضنا لها الآن.. وفي المستقبل.
نعتقد أنه بات من الضروري إدارة الأمور بكثير من الحكمة، وإجراء مصالحة حقيقية وصادقة بين الطوائف، في ظل احتمالية تحقق سيناريوهات باعثة على الشؤم، تهدد ما تبقى من استقرار لهذا الوطن المكلوم، وإدراك الجميع بأن المرحلة المقبلة أصعب بكثير مما سبقها.
أخيرًا.. يجب مواجهة الحقيقة، والإقرار بأن كل شيء وارد في المرحلة الانتقالية، مثل ارتكاب الأخطاء، كإحدى سمات الفترات الانتقالية ـ التي سرعان ما ستزول ـ لكننا نرجو أن تتحقق العدالة وسيادة القانون، وأن يجتمع السوريون جميعًا على كلمة سواء، بعيدًا عن التعصب الطائفي ونزعة الانتقام.
فصل الخطاب:
يقول «نيلسون مانديلا»: «المقاتل لأجل الحرية يتعلم بالطريقة الصعبة أنَّ الظالم هو الذي يحدد طبيعة الصراع، وغالبًا لا يجد المستضعف بديلًا سوى استخدام نفس أساليب الظالم».