لِمَ عَبَّرَ بالفِعْلِ ﴿ ﯦ﴾ دونَ (أَجَابُوا)؟
الاسْتِجابَةُ والإجابَةُ مُتقارِبانِ جِدًّا فى المَعْنَى، ولكن التَّعبير القُرْآنيّ جاءَ بالاسْتِجابَةِ دونَ الإجابَةِ لأوجه:
الأول: أنَّ الاسْتِجابَةَ فيها قَبُولٌ لِمَا دعا إليه، وليست كذلك الإجابَة، فقد تكون بالمُوافَقَةِ أو المُخالَفَة، كما يُقال لإنسانٍ: أَتُوَافِق على كَذا، فيَقُول: أُخالِف، ويكون بذلك قد أجاب.
الثاني: أنَّ الاسْتِجابَةَ هى تَحَرِّى الجوابِ، والتَّهَيُّؤ له، وعَبَّرَ بها عن الإجابَةِ لقِلَّةِ انفِكاكِها عنها؛ والمعنى أنَّ الإجابةَ هى الأصلُ فى التَّعبيرِ لكنَّه عَبَّرَ بالاسْتِجابَةِ لتَضَمُّنِها معنى تَحَرِّى الجواب والتَّهَيُّؤ له، وهذا من لَوازِمِ الإجابة.
الثالث: أنَّ الأَلِفَ والسِّينَ والتّاءَ فى الاسْتِجابَةِ تَدُلُّ على الطَّلَب، ومَعْنَى الطَّلَبِ هُنا أنَّهم عالَجوا أَنْفُسَهُم وطَلَبُوا إجابَةَ دَاعِى الله إلى النَّصْرِ، وراضوا أَنْفُسَهُم على إجابةِ الله تَعالَى.
الرابع: أنَّ الاسْتِجابَةَ فيها نَوْعُ تأكيدٍ؛ أَيْ: إنَّهم أَوْجَدوا الإجابةَ فى الجِهادِ إيجادًا مُؤكَّدًا مُحقَّقًا ثابِتًا بِمَا عِنْدَهم من خالِصِ الإيمانِ.
وبِناءً على ما سَبَق، لَمّا كانَت الاسْتِجابَةُ هى المُوَافَقَةَ دونَ المُخالَفَة، واختصَّت عن الإجابةِ بمعنى الطَّلَبِ والتَّحَرِّى والمُعالَجَةِ والتَّأكيد، جاء التَّعبيرُ القُرْآنيُّ بها ليُبَيِّنَ حالَ الصَّحابَةِ فى تَلْبِيَتِهم أَمْرَ النَّبِيِّ فكانت أَوْفَى بالمُرادِ، وأَدَلَّ على المقصود.
لمَ أُوثِرَ التَّعبيرُ بـ ﴿ ﯦ﴾ دونَ الإذعان؟
أُوثِرَ التَّعبيرُ بـ ﴿ ﯦ﴾ دونَ الإذعان؛ لأنَّ الإذْعانُ: الانْقِيادُ؛ يُقالُ: أَذْعَنَ الرَّجُلُ إذا انْقَادَ.
وأُوثِرَ التَّعبيرُ بالاسْتِجابَةِ؛ لأنَّ دَلالَتَها تُرَكِّزُ على رَصْدِ سُرعَةِ التَّلْبِيَة، والإقبالِ على الأَمْرِ الذى يدعوهم إليه رَسُولُ الله ، أَلَا وهو مُقاتَلَةُ المُشْرِكِينَ، كما أنَّ فى الاسْتِجابَةِ − كما سَبَقَ − مَعْنَى الطَّاعَةِ والانْقِياد، والمُوَافَقَةِ دونَ المُخالَفَة، والتَّحَرِّى والتَّأكيدِ
وسبحان من هذا كلامه