من عظمة الوحي 7
لِمَ أُوثِرَ التَّعبيرُ بـ ( ﯯ ) دُونَ مُرادِفاتِه، نَحْو (ثَوَاب) أو (جَزَاء)؟
أُوثِرَ التَّعبيرُ بـ ( ﯯ ) دُونَ مُرادِفاتِه، نَحْو (ثَواب) أو (جَزَاء)؛ لأوجه:
الأول: أنَّ الجَزاءَ: الغَنَاءُ والكِفايَةُ؛ ومِنْهُ قوله تعالى: ( ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ) [البقرة: 48]؛ والجَزاءُ: ما فيه الكِفايَةُ من المُقابَلةِ: إنْ خَيْرًا فخَيْرٌ، وإنْ شَرًّا فَشَرٌّ؛ ومِنْهُ قوله Υ: ( ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ) [الشورى: 40]، وقوله Υ: ( ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ) [الإنسان].
الثاني: أنَّ الثَّوابَ: العَوْدُ والرُّجُوعُ، يُقالُ: ثابَ يَثُوب إذا رَجَعَ، ومن هذا المعنى أُخِذَ الثوابُ بمعنى الجَزاءِ على العَمَلِ؛ إذ الجَزاءُ لَوْنٌ من رُجوعِ أَثَرِ العَمَلِ على فاعِلِه، ويأتي غالِبًا بالخَيْرِ دونَ الشَّرّ.
الثالث: أنَّ الأَجْرَ لَهُ مَعْنَيَانِ: جَزاءُ العَمَلِ، وجَبْرُ العَظْمِ المَكُسورِ؛ ويَجْمَع بين المَعْنَيَيْنِ أنَّ أُجْرَةَ العامِلِ بمَنْزِلَةِ تَعويضٍ يتلقَّاه جزاءَ ما بَذَلَهُ من كَدٍّ وجُهْدٍ؛ فهذا التَّعويضُ كأنَّه شيءٌ يُجْبَر به كما يُجْبَرُ العَظْمُ المَكسُور.
الرابع: أنَّ الأَجْرَ في القُرْآنِ الكَريمِ لا بُدَّ أن يَسْبِقه عملٌ وجُهْدٌ وبَذْلٌ، ولا يكون إلّا بالخَيْرِ؛ سواءٌ أكان الأجْرُ في الآخِرَة؛ كما في قوله Υ: ( ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ) [البقرة: 112]، أم كانَ مُقابِلًا دُنْيَويًّا؛ كما في قوله Υ: ( ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ) [القصص: 25].
وعلى هذا فإنَّه لَمّا كانَ الأَجْرُ خاصًّا بالخَيْرِ، وكانَ مْن مَعانِيه جَبْرُ العَظْمِ المَكْسور، وأنَّ الآيةَ في سِياقِ الحَديثِ عن مَكانَةِ الشُّهداءِ الذين ضَحَّوا بأَنْفُسِهِم مِن أَجْلِ نُصْرَة دِينِ الله، فقد ناسَبَ التَّعبيرُ به؛ للإشارةِ إلى أنَّ الله سيدَّخِر لهم الأَجْرَ الذي يُعَوِّضهم عَمّا فَقَدوه من لذَّةِ الدُّنيا ومُتْعَتِها.
وسبحان من هذا كلامه