رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

أعداد الضحايا الذين سقطوا في غزة منذ اندلاع معركة "طوفان الأقصى" والدمار الذي لحق بالقطاع كان ولا يزال محور جدل لم يتوقف حتى اليوم، فمن أراد محاباة الغرب الأمريكي وحلفائه في المنطقة حمَّل الفلسطينيين مسؤولية ما حدث ويحدث في غزة، ومن أبصر الحقيقة والهدف من وراء تلك المعركة لم يلُم شعب غزة الذي يعيش حصارا ظالمًا منذ 18 عامًا دفاعًا عن الحقوق والمقدسات.
إنهاء هذا العدوان الظالم وعودة الحياة إلى سيرتها الأولى في قطاع غزة أمنية كل صاحب ضمير في هذا العالم، لكن من يحمِّلون الفلسطينيين نتيجة ما آلت إليه الأوضاع لهم أمنيات أخرى مثل نزع سلاح القسام والفصائل وتهجير الشعب من أرضه وتسليمها للمحتل الذي فشل في السيطرة عليها بالقوة على مدار 16 شهرًا من القتال بكافة الوسائل وكافة الأسلحة.
لقد عاش الناس هناك كافة أنواع الفظائع من "قتل وجوع وتشريد واعتقال وتعذيب ونزوح"، لكنهم لم يرفعوا راية الاستسلام، ولم يخذلوا المقاومين، ولم يبخلوا على وطنهم بالدماء والأرواح في سبيل أن ينال حريته وكرامته، فالغزيون أثبتوا للعالم أنهم جسد واحد، وأن مقاومة الظلم غايتهم، والصمود من أجل تحقيق الغاية هدفهم، ومع كل هذا ما زال هناك من يحاول أن يفرض عليهم واقعًا أكثر ظلمًا ويحمِّلهم المسؤولية!!
قبل أن نواصل نقاشنا الممتد بلا ضمير حول من المسؤول عن ما حدث في غزة يجب أن نفكر قليلًا من الذي دفع الناس إلى هذا المصير وهذه الحرب، وهنا سنجد الإجابة قبل الإدانة والتشفي وقبل وضع سيناريوهات تفضي جميعها إلى نتيجة واحدة وهي "الاستسلام" بعد هذه الفاتورة التاريخية من الدماء، والأدهى من ذلك أن هناك من يسعى لفرض معادلة على هذا الشعب العظيم لم يرض بها تحت النار.
يصف الكاتب والمؤرخ الفلسطيني "عارف العارف" في كتابه "تاريخ غزة" صدر عام 1943 مدينة غزة بأنها: "مدينة تاريخية قديمة، بل إنها من أقدم المدن التي عرفها التاريخ". يقول "العارف" إن غزة ليست بنت قرن من القرون أو وليدة عصر من العصور؛ وإنما هي بنت الأجيال المنصرمة كلها، ورفيقة العصور الفائتة كلها منذ اليوم الذي سطر التاريخ فيه صحائفه الأولى، ذلك لأنها صمدت لنوائب الزمان بجميع أنواعها، وطوارئ الحدثان بجميع ألوانها، حتى أنه لم يبق فاتح من الفاتحين، أو غاز من الغزاة المتقدمين والمتأخرين الذين كانت لهم صلة بالشرق إلا ونازلته "فإما أن يكون قد صرعها أو تكون هي قد صرعته".

ولقد تبدل اسم "غزة" بتبدل الأمم التي صارعتها، فقد كان العرب ولا يزالون يسمونها "غزة" أو "غزة هاشم"، ولقد تضاربت الآراء واختلفت التفاسير في معنى كلمة "غزة"، فهناك من يقول إن هذه الكلمة مشتقة من "العزة والمنعة والقوة"، وذلك نتيجة الحروب الكثيرة التي جرت فيها وحولها، والتي صمدت لها صمود الجبابرة. فكيف لنا أن نفرض على هؤلاء الناس إلقاء بنادقهم وتنكيس رايتهم وتسليم أرضهم والخروج منها؟ وكيف لنا أن نكتب لهم النهاية ونقرر لهم مصير معركتهم من أجل الحرية وهم لا يزالون صامدين؟.

إن التحديات المفروضة حاليًا على شعب غزة هم أكثر الناس بها دراية ومعرفة، وهم أفضل من يعرف عدوهم ونقاط ضعفه وقوته، وهم الأجدر بحسم الأمور وتقرير المصير، وليس هؤلاء الذين يطالعون الناس من خلف الشاشات محاولين كسر عزيمتهم وإجبارهم على رفع الراية البيضاء التي لم يرفعوها وهم يواجهون أعتى الجيوش الإجرامية في التاريخ طيلة عام ونصف وفي أسوأ الظروف.

لقد عاشت غزة على مر العصور الكثير من الحروب وخرجت منتصرة بإيمان شعبها وصلابة رجالها وبسالتهم، وستظل هكذا مرفوعة الرأس حتى ساعة النصر والحرية، ولن تكون مواجهات "طوفان الأقصى" الأخيرة في تاريخ هذه الصراع الممتد لأكثر من سبعة عقود، ولن يقرر مصير غزة إلا شعبها الصامد رغم أنف العملاء والحاقدين.