قضية المياه، هى قضية معقدة ومتعددة الأبعاد، ولكنها بلا شك قضية أمن قومى من الدرجة الأولى، فالمياه هى شريان الحياة لمصر ولكافة الشعوب، لكن لمصر بالتحديد، فهذه القضية لها طابعها الخاص، فمنذ القدم تلعب المياه دورًا محوريًا فى تشكيل الحضارة وتطورها، إضافة لكونها مصدر الحياة.
وفى كل عام، يُحتفل بيوم النيل كفرصة لتعزيز التعاون بين دول الحوض من أجل تنمية مستدامة تحترم حقوق جميع الأطراف، إلا أن استغلال إثيوبيا لهذه المناسبة للترويج لسد النهضة يثير استياء مصر، التى ترى فى ذلك محاولة لتجميل مشروع مثير للجدل دون مراعاة مخاوف دول المصب، ومصر تؤكد أن التعاون الحقيقى لا يكون عبر الدعاية الأحادية، بل من خلال الالتزام بالاتفاقيات الدولية والتفاهم المشترك. فالقاهرة لطالما شددت على حق إثيوبيا فى التنمية، لكنها فى المقابل تطالب بضمانات قانونية ملزمة تحمى حصتها من مياه النيل، خاصة فى ظل اعتمادها شبه الكلى على النهر كمصدر رئيسى للمياه.
ما تفعله أديس أبابا يتجاوز الاحتفاء بالنيل إلى محاولة فرض أمر واقع، متجاهلة القلق المصري-السودانى من التأثيرات المحتملة للسد، فبدلًا من تقديم تطمينات أو البحث عن حلول توافقية تضمن حقوق جميع الأطراف، تستغل إثيوبيا المناسبة كمنصة دبلوماسية لتبرير موقفها، متجاهلة أن التعاون لا يكون عبر الدعاية بل عبر الحوار الجاد والالتزامات الواضحة.
ويعد نهر النيل هو المصدر الرئيسى للمياه فى مصر، حيث يعتمد عليه المصريون فى الشرب والرى والزراعة وحتى الصناعة والاستخدامات الأخرى، فهى سبب تحويل أرض مصر لأرض خصبة لزراعة المحاصيل المختلفة التى تسهم فى توفير الغذاء وتحقيق الاكتفاء الذاتى، والتنمية الاقتصادية، إضافة لكونه مصدرًا مهمًّا للأسماك، حيث يعتمد عليه الكثيرون فى توفير الغذاء وتحقيق مصدر دخل لهم، وكذلك إحدى الأدوات الأساسية فى جذب السياح من جميع أنحاء العالم للاستمتاع بجمال الطبيعة والرحلات النيلية، ما يسهم فى تعزيز قطاع السياحة وتوفير فرص عمل.
إصرار إثيوبيا على التلاعب بملف سد النهضة، لا يعنى تحدى مصر فقط، وانما تحدي شعوب القارة السمراء بشكل كبير، بما يتطلب حلًا عاجلًا يراعى مصالح جميع الأطراف، والالتزام بالتوصل إلى اتفاق ملزم حول ملء وتشغيل السد، يضمن حقوق مصر المائية ويحقق التنمية لإثيوبيا دون إلحاق الضرر بالآخرين، والتخلى عن أى عناد من شأنه تهديد أمن مصر وإفريقيا القومى، وهو أمر لا يمكن السماح به.
ختامًا، نقص المياه يعنى إثارة مشكلات اقتصادية وسياسية وجيوسياسية واجتماعية كبيرة، لها تداعياتها الخطيرة كالفقر والهجرة الداخلية وزيادة التوترات الاجتماعية، فالمياه ضرورية للشرب والصحة العامة، وهى أساسية لبقاء الإنسان، وتدعم الزراعة والصناعة، وهما أساسيان للاقتصاد المصرى، ومن ثم يجب وضع اتفاقيات تضمن الحقوق المائية للجميع، وهو ما تحرص مصر عليه دون تراجع.