تحقيق
دورات المياه العمومية .. كارثة صحية
تمثل دورات المياه العمومية إحدى الضروريات الأساسية فى المدن الكبرى، حيث يحتاجها المواطنون يوميًا، خاصة كبار السن ومرضى السكرى وأصحاب الاحتياجات الخاصة، ورغم أهمية هذه المرافق، إلا أن الإهمال وغياب الصيانة الدورية جعل الكثير منها غير صالح للاستخدام، بينما تحول بعضها إلى مشروعات استغلالية تفرض رسومًا مرتفعة على المواطنين، ومع تزايد المطالب الشعبية بضرورة تطوير هذه المرافق، وفرض رقابة صارمة على إدارتها، تبرز مقترحات جديدة لتحسين الاستفادة منها، سواء عبر إعادة تأهيلها أو استغلال المنشآت المهجورة منها فى تقديم خدمات حيوية أخرى.
وكانت الجولة الميدانية فى شوارع القاهرة لرصد معاناة وشكاوى المواطنين عن تدنى الخدمة العامة الذى من الواجب توفرها لكبار السن وذوى الاحتياجات الخاصة، وعرض المسئولين مقترحات هامة يجب الأخذ بها ونصائح ضرورية حول دورات المياه العامة داخل الكثير من المناطق الشعبية للقضاء على انتشار التلوث.
وقف الإهمال
طالب خالد محمود، أحد سكان منطقة شبرا مصر، موظف فى هيئة السكك الحديدية، بضرورة تدخل محافظة القاهرة لإنشاء دورات مياه عمومية جديدة فى الميادين والشوارع والمواقف العامة، مشيرًا إلى أن غياب هذه المرافق الأساسية يشكل أزمة حقيقية، خاصة لكبار السن ومرضى السكرى وأصحاب الاحتياجات الخاصة، الذين يجدون أنفسهم مضطرين للبحث عن بدائل غير ملائمة.
وأكد خالد، أن العديد من المرافق الموجودة حاليًا تعانى من إهمال شديد، حيث تفتقر إلى الصيانة الدورية، ما يجعلها غير صالحة للاستخدام الآدمى، قائلًا: «هناك دورات مياه عمومية لكنها فى حالة مزرية، البعض منها مغلق تمامًا بسبب عدم وجود صيانة، والأخرى تحولت إلى أماكن غير آمنة بسبب غياب الرقابة، مما يضطر الكثيرين إلى التبول فى الشوارع، وهو أمر غير حضارى ويضر بالمظهر العام».
وأضاف خالد، أن انتشار هذه الظاهرة فى العديد من المناطق الشعبية يعكس غياب التخطيط الجيد لهذه المرافق، موضحًا أن إنشاء دورات مياه حديثة مزودة بخدمات النظافة والصيانة المستمرة سيحل جزءًا كبيرًا من المشكلة، خاصة إذا تم وضعها تحت إشراف جهات مسئولة تضمن عدم استغلالها من قبل بعض الأفراد الذين يحولونها إلى مصدر للربح الشخصى.
وشدد خالد، على ضرورة تفعيل رقابة صارمة على دورات المياه العمومية الحالية، بحيث يتم ضمان نظافتها وصيانتها، ومنع أى تجاوزات مثل فرض رسوم غير قانونية أو استيلاء البعض عليها لتحقيق مكاسب شخصية، قائلًا: «نريد أن تكون هناك جهة مسئولة بوضوح عن إدارة هذه المنشآت، حتى لا تصبح مجرد مشروعات مهملة بلا جدوى».
ودعا خالد، محافظة القاهرة إلى تبنى خطة متكاملة لإنشاء دورات مياه جديدة وفق معايير حديثة، على أن يتم توزيعها بشكل عادل بين الأحياء والمناطق الحيوية، مع وضع آليات واضحة للإشراف عليها، لضمان توفير خدمة نظيفة وآمنة تليق بالمواطنين، وتحد من الظواهر السلبية التى أصبحت منتشرة بسبب غياب مثل هذه الخدمات الأساسية.
النظافة والتكاليف
عبر محمد حسنى، موظف بشركة اتصالات، 25 عامًا، من سكان منطقة الأميرية، عن استيائه من الوضع الراهن لدورات المياه العمومية فى المناطق الشعبية، قائلًا: «إن دورات المياه أصبحت تفرض رسومًا لدخولها، حتى على كبار السن، وهو ما يراه غير مقبول، خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى يعانى منها الكثير من المواطنين».
وأضاف حسنى، أن تكاليف دخول دورات المياه قد تجاوزت الخمسة جنيهات، وهى قيمة مرتفعة بالنسبة للكثير من الأسر فى المناطق الشعبية، حيث لا يتمتع أغلب السكان بدخل ثابت أو دخل مرتفع، «حتى كبار السن أصبحوا مضطرين لدفع هذه الرسوم لاستخدام الدورات، وهذا عبء إضافى عليهم».
وأشار حسنى، إلى أن مشكلة دورات المياه العمومية لا تتوقف عند الرسوم، بل تتجاوز ذلك إلى تدنى مستوى النظافة فى تلك المنشآت، وأوضح أن الدورات تعانى من إهمال كبير فى الصيانة، مما يجعل استخدامها أمرًا صعبًا وغير آمن، خاصة بالنسبة للأطفال وكبار السن، «النظافة سيئة جدًا، وقد تؤدى إلى نقل الأمراض، وهذا أمر غير مقبول فى الأماكن العامة التى يفترض أن توفر الحد الأدنى من الصحة والراحة للمواطنين».
وأعرب حسنى، عن أسفه من أن هذه الخدمات الأساسية التى يجب أن تكون فى متناول الجميع أصبحت محكومة بالرسوم والنقص الشديد فى الصيانة، وهو ما يضاعف معاناة سكان المناطق الشعبية الذين غالبًا ما يضطرون لاستخدام هذه المنشآت فى ظل غياب بدائل أخرى، وفى هذه الظروف، يصعب على المواطن أن يجد مكانًا نظيفًا وآمنًا لاستخدامه بشكل يومى، وخصوصًا للأطفال وكبار السن الذين هم الأكثر تأثرًا بهذا الوضع.
طالب حسنى، بوضع رقابة لتحسين حالة دورات المياه العمومية فى المناطق الشعبية وتوفير الصيانة الدورية لها، إلى جانب عدم فرض رسوم على المواطنين، وقال: «من حق المواطن أن يحصل على خدمات عامة نظيفة وآمنة، ولا يجب أن تكون النظافة أو الرسوم عائقًا أمام استخدام هذه الخدمات الضرورية».
رقابة وحماية
طالبت مرام محمد، 44 عامًا، من سكان منطقة الشرابية، بضرورة زيادة عدد دورات المياه العمومية للنساء فى الأحياء الشعبية، مع التأكيد على أهمية الرقابة الجادة لضمان أن تكون هذه الخدمات فى متناول جميع المواطنين دون استغلالها أو تسييسها، مشيرة إلى أن قلة دورات المياه النسائية فى المنطقة تمثل عبئًا حقيقيًا على السكان، خاصة فى ظل تزايد عددهم وتضاعف الحاجة لهذه المرافق الأساسية.
وقالت مرام، «نحتاج إلى مزيد من دورات المياه العمومية فى الشرابية لتلبية احتياجات المواطنين، خصوصًا فى المناطق الشعبية، حيث تكثر المشاكل المتعلقة بالنظافة والازدحام، العدد الحالى غير كافٍ، مما يضطر الكثيرين للبحث عن مرافق أخرى بعيدة أو تحمل تكاليف إضافية، وهذا غير مقبول، والزيادة فى عدد هذه المنشآت يجب أن تكون مرتبطة بإجراءات رقابية فعّالة، لتجنب استغلالها من قبل البعض وتحويلها إلى مصدر للربح الشخصى.
وأوضحت مرام، أن العديد من دورات المياه فى الأحياء الشعبية أصبحت محط تلاعب وابتزاز، حيث يتم فرض رسوم إضافية غير قانونية من قبل بعض الأفراد، أو تصبح تحت سيطرة المتسولين الذين يحولونها إلى «سبوبة» شخصية، «هذا ليس مجرد إهمال، بل محاولة لتحقيق مكاسب غير مشروعة على حساب الناس، لا يجب أن يكون هذا هو الحال فى مكان عام يفترض أن يكون للجميع».
وأضافت مرام أن الرقابة على هذه المنشآت يجب أن تكون شاملة، بدءًا من التأكد من نظافة المرافق وصيانتها بشكل دورى، وصولًا إلى مراقبة الرسوم المفروضة على الاستخدام، وأكدت على ضرورة وجود إشراف مستمر من قبل الرقابة المحلية لضمان أن دورات المياه تظل خدمة عامة موجهة للجميع ولا تتحول إلى مجال للاستغلال أو التربح غير المشروع.
ودعت مرام، إلى تفعيل خطة شاملة تشمل توسيع دائرة الرقابة لضمان تقديم خدمات مريحة وآمنة للمواطنين، قائلة: «زيادة دورات المياه فى الأحياء الشعبية خطوة مهمة، لكن لابد من ضمان استخدام هذه الخدمات بشكل عادل وفعّال للجميع، دون أن تتحول إلى مصدر استغلال أو عدمها من البداية حتى لا تصبح مصدر للازمات».
ضرورة بيئية مهملة
أكد الدكتور صالح عزب، أستاذ الاقتصاد البيئى مستشار وزير البيئة الأسبق، أن وجود دورات المياه العمومية يعد أمرًا ضروريًا للمساهمة فى تحسين البيئة، وغياب هذه المنشآت يسهم بشكل كبير فى زيادة معدلات التلوث فى المدن، قائلًا: «نحن نعانى من التلوث الذى تجاوز الحدود العالمية المسموح بها، وبالتالى فإن وجود دورات المياه العمومية يسهم فى تقليل التلوث خاصة فى الأماكن العامة، ويحمى البيئة من المخاطر الناجمة عن السلوكيات غير السليمة مثل التبول فى الشوارع».
وأوضح عزب، أن بعض الدول قد نجحت فى إدارة هذه المرافق بطريقة نموذجية، يمكننا الاستفادة منها فى مصر، مشيرًا إلى أن الحل يكمن فى تحسين إدارة دورات المياه العمومية فى شوارع القاهرة والمحافظات، مضيفًا أن من الأفضل تواجد هذه المرافق بشكل منتظم، ولكن لابد من إدارة جيدة لها، حيث يجب أن يكون هناك إشراف دورى على هذه المنشآت، فضلًا عن وجود حراس يتقاضون مبلغًا زهيدًا لضمان صيانتها والحفاظ على نظافتها بشكل مستمر.
وأشار عزب، إلى أن هناك العديد من دورات المياه الموجودة حاليًا فى الشوارع التى تُعتبر مهملة أو تعانى من رسوم استخدام مرتفعة، مما يجعل المواطنين يرفضون استخدامها، «من المهم أن يتم تحديد رسوم معقولة واستخدام حوافز لتشجيع المواطنين على استخدامها بشكل منتظم بدلًا من التبول على الارصفة».
وشدد عزب، على أن الحل يكمن فى الإدارة السليمة لهذه المرافق لتكون أكثر فعالية فى خدمة المواطن وحماية البيئة، متوقعًا أن تساهم هذه الخطوة فى الحد من التلوث وتحسين الأوضاع الصحية فى المناطق الشعبية.
ومن جانبه قال محمد ناجى، موظف سابق بالمحليات، إن المحافظة القاهرة تواجه تحديات كبيرة فى متابعة وصيانة أكثر من 1000 دورة مياه عمومية، وهو ما يصعب التعامل معه بكفاءة، ومع محدودية الموارد البشرية والمادية، يرى أن الحل الأمثل لهذه المشكلة هو تسليم إدارة هذه المنشآت لشركة خاصة قادرة على تقديم خدمات مهنية مقابل مالى، مما يضمن تحسين جودتها والحفاظ على نظافتها وصيانتها بانتظام.
وأوضح ناجى، أن الشركة الخاصة ستتمكن من توفير الدعم الفنى والإدارى، مما يؤدى إلى تحسين مستوى الخدمة المقدمة للمواطنين،قائلًا: «بدلًا من استمرار إهمال دورات المياه أو إغلاقها بسبب عدم القدرة على صيانتها، فإن الشراكة مع القطاع الخاص ستكون خطوة استراتيجية لصالح المواطن والدولة على حد سواء».
تحويل دورات المياه المهجورة
فى خطوة مبتكرة تهدف إلى تحسين مستوى الخدمات العامة فى حى الزاوية الحمراء، طرح أحمد محمدى، رئيس الحى، عن خطة جديدة لاستغلال المنشآت المهجورة فى المنطقة، مثل دورات المياه العامة المهجورة، وتحويلها إلى مكاتب بريدية، أو مراكز صحية، أو مكاتب للشهر العقارى، وقال محمدى: إن استغلال هذه المساحات المهجورة لتحقيق مصلحة المواطنين يعد أكثر فائدة من الإبقاء عليها فى وضعها الحالى، حيث لا تقدم أى فائدة حقيقية للسكان.
وأوضح محمدى، أن الفكرة تأتى استجابة لحاجة ملحة لدى سكان الزاوية الحمراء للحصول على خدمات أساسية مثل الرعاية الصحية، المعاملات البريدية، والخدمات المتعلقة بالشهر العقارى، ومنافذ سلع غذائية مدعمة من الدولة لمحاربة جشع التجار، وتحويل دورات المياه العمومية المهجورة إلى مرافق خدمية سيسهم بشكل كبير فى تحسين نوعية حياة المواطنين فى الحى.
وأضاف محمدى قائلًا: «نريد استغلال دورات المياه العمومية المهجورة فى الحى لصالح المواطنين بدلًا من أن تظل مهملة، مما يسهم فى تدهور البيئة الحضرية، يمكن تحويل هذه الأماكن إلى مكاتب بريدية أو مراكز صحية تلبى احتياجات سكان الحى اليومية بشكل أفضل»، ويعانى السكان من صعوبة الوصول إلى المرافق الخدمية التى تكون عادة بعيدة عن أماكن سكنهم، مما يزيد من معاناتهم اليومية، ويعكس هذا المقترح الذى قدمه فى تصريح خاص، توجيهًا نحو استثمار الموارد المتاحة لتوفير هذه الخدمات بشكل أقرب إلى المواطنين.
وقال محمدى، إنه يمكن استغلال دورات المياه العامة المهجورة أو الأماكن الفارغة فى مواقف الأتوبيسات لتحويلها إلى مراكز صحية تقدم خدمات طبية أساسية، «الكثير من المواطنين فى الزاوية الحمراء لا يذهبون إلى دورات المياه العامة بسبب الإهمال وضعف الصيانة، لذلك سيكون من الأفضل تحويل هذه الأماكن إلى خدمات ذات قيمة حقيقية للمجتمع».
من جهة أخرى، لفت محمدى إلى أن تحويل دورات المياه المهجورة إلى خدمات حيوية سيخفف من الضغط على المرافق العامة الموجودة فى المناطق المركزية، حيث سيتم توزيع الخدمات بشكل أكثر عدلًا بين مختلف الأحياء، بما فى ذلك الزاوية الحمراء، وأضاف: «نهدف إلى تحسين مستوى معيشة المواطنين عبر استغلال هذه المساحات المهجورة بشكل يعود بالنفع على الجميع».
وأكد محمدى أن المبادرة لن تقتصر على تقديم خدمات جديدة فقط، بل ستسهم أيضًا فى تحسين شكل المنطقة من خلال تحويل الأماكن المهجورة إلى مرافق ذات قيمة مجتمعية، مما يعزز من البيئة العمرانية فى الحى، «نحن نعمل على تقديم حلول عملية لاحتياجات المواطنين مع الحفاظ على الموارد العامة، وتحقيق استخدام أمثل لها».
وأعرب محمدى عن تفاؤله بنجاح الاقتراح فى تحقيق تطور حقيقى فى مستوى الخدمات المقدمة لسكان الزاوية الحمراء، مشيرًا إلى أن هذه الفكرة يمكن أن تكون نموذجًا يمكن تطبيقه فى أحياء أخرى بالقاهرة والمحافظات المختلفة.
