ثلاثة لا تقربهم الملائكة.. حديث نبوي يحذر من ممارسات تبعد الرحمة
الملائكة مخلوقات نورانية كلفها الله بوظائف متعددة، منها حفظ الإنسان، تسجيل أعماله، وحضور مجالس الذكر والعبادة، لكن في الحديث الشريف الذي رواه الصحابي الجليل عمار بن ياسر، جاء تحذير واضح من النبي ﷺ بشأن ثلاثة أصناف من الناس لا تقترب منهم الملائكة، مما يشير إلى خطورة ما يفعلونه وتأثيره السلبي على الروح والقرب من الله.
الحديث النبوي ومضمونه
جاء في الحديث الذي رواه أبو داود، عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما، أن النبي ﷺ قال:
"ثلاثة لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر، والمتضمخ بالخلوق، والجنب إلا أن يتوضأ" (صححه الألباني).
وفي حديث آخر رواه ابن عباس، قال رسول الله ﷺ:
"ثلاثة لا تقربهم الملائكة: الجنب، والسكران، والمتضمخ بالخلوق" (رواه الألباني في صحيح الترغيب).
من هم الثلاثة الذين لا تقربهم الملائكة؟
1- جيفة الكافر
المقصود بجيفة الكافر هو جسد الإنسان الذي مات على الكفر، ووصفه بالجيفة إشارة إلى نجاسته المعنوية، حيث قال الله تعالى:
﴿إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسٞ﴾ (التوبة: 28).
وهذا لا يعني أن الملائكة لا تقترب مطلقًا من الكافر، لأن ملائكة الموت والعذاب تقوم بوظيفتها معه، ولكن الحديث يشير إلى ملائكة الرحمة والبركة الذين لا يحضرون مجالس الكفار أو يحيطون بهم.
2- المتضمخ بالخلوق
الخلوق هو نوع من الطيب المعطر الذي يستخدم عادة في تطييب النساء، وكان النبي ﷺ قد نهى الرجال عن التزين به لأنه من سمات أهل الترف والتنعم المبالغ فيه، وهو سلوك لا يتناسب مع طبيعة الرجل المسلم. قال العلماء إن السبب في ابتعاد الملائكة عن المتضمخ بالخلوق هو أنه يدل على التشبه بالنساء أو أنه نوع من الإسراف في التزين.
3- الجنب إلا أن يتوضأ
الجنابة هي حالة عدم الطهارة الناتجة عن الاحتلام أو الجماع، والحديث يحذر من التهاون في البقاء على الجنابة دون طهارة، لأن ذلك يمنع الملائكة من الاقتراب. وقد أمرنا الله تعالى بالتطهر قبل الصلاة، فقال:
﴿وَإِن كُنتُمۡ جُنُبٗا فَٱطَّهَّرُواْ﴾ (المائدة: 6).
لكن الحديث يشير إلى أن الوضوء وحده كافٍ لجعل الملائكة تقترب مجددًا، حتى لو لم يغتسل الإنسان فورًا.
4- السكران (في رواية أخرى)
في بعض الروايات، أُضيف السكران إلى القائمة، وهو الشخص الذي يشرب الخمر حتى يفقد وعيه. فقد شدد الإسلام على حرمة الخمر لأنها تذهب بالعقل وتبعد الإنسان عن ذكر الله، كما قال تعالى:
﴿إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ﴾ (المائدة: 90).
والسكران يمنع الملائكة من الاقتراب منه لأنه في حالة تفقده السيطرة على أفعاله، وقد يرتكب الذنوب دون وعي.
ما الفائدة من هذا الحديث؟
يحثنا الحديث الشريف على المحافظة على الطهارة الجسدية والروحية، لأن القرب من الملائكة يعني القرب من الرحمة والبركة، والبعد عنهم يعني حرمان النفس من هذه النعم. كما أن الحديث يؤكد أهمية اجتناب الخمر والإفراط في الزينة غير اللائقة، والتوبة من الكفر.
كيف نحافظ على قرب الملائكة؟
- المحافظة على الطهارة الدائمة: الحرص على الغسل بعد الجنابة وعدم تأجيله.
- اجتناب المحرمات: مثل شرب الخمر والتشبه بصفات غير لائقة.
- الإكثار من الذكر والطاعات: الملائكة تحب مجالس الذكر والصلاة، وهي أقرب للإنسان التقي.
- الابتعاد عن الترف المبالغ فيه: التوسط في الزينة والالتزام بالسنة.
الحديث النبوي يوجهنا إلى ضرورة التزام الطهارة الظاهرة والباطنة، لأن القرب من الملائكة يعكس قربنا من الله، ويمنحنا السكينة والبركة في حياتنا. فمن أراد أن يكون محاطًا بالرحمة، فعليه أن يلتزم بالطهارة في جسده وقلبه وأعماله.
