دقة التشريع الإسلامي في الزمن والأمومة .. تفسير آية 233 من البقرة
في سياق تفسيره للآية 233 من سورة البقرة، أشار الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الديار المصرية السابق، إلى أهمية الفهم الدقيق للأحكام الشرعية المتعلقة بالسنوات القمرية والأمومة، مبرزًا دقة التشريع الإسلامي في تنظيم حياة المسلمين بناءً على مبادئ واضحة ومتماسكة.
السنوات القمرية في الشريعة الإسلامية
يوضح جمعة أن المسلمين يعتمدون في شرائعهم على الحساب القمري، وليس الشمسي، في تحديد الزمن. وأشار إلى أن الله سبحانه وتعالى خلق الشمس والقمر بحسبان، وجعل كلاهما مقياسًا للزمن.
ومع ذلك، فإن الشريعة الإسلامية اختارت الشهور القمرية لتكون معيارًا للمواقيت والأحكام الشرعية، مثل تحديد بداية الأشهر الحرم، مواعيد العبادات كالصوم والحج، والمعاملات كالعدة والديات.
ويضيف أن هذه الشهور تُعرف اليوم بالشهور العربية أو الهجرية، موضحًا أن اعتمادها هو اختيار إلهي متميز يعكس توافق الدين مع الطبيعة الكونية ومرونة التقويم القمري مقارنة بالشهور الشمسية.
الأمومة بين النسب والرضاع
في تفسيره للجزء الخاص بالأمومة في الآية 233، أكد الدكتور جمعة أن الأمومة الأصلية تثبت بالولادة، حيث تصبح المرأة التي تلد الطفل أمًا له بالمعنى الشرعي والطبيعي. ومع ذلك، يشير إلى أن الإسلام وسّع مفهوم الأمومة ليشمل الأمومة بالرضاع، إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب".
وأوضح جمعة أن المرأة التي ترضع طفلاً تصبح أمًا له من الرضاع، سواء كان هذا الطفل ذكرًا أو أنثى، مما يعني أن أحكام المحرمية تتسع لتشمل الرضاع كما تشمل النسب. وهذا يدل على عمق التشريع الإسلامي في الحفاظ على النسيج الاجتماعي وتنظيم العلاقات الأسرية بما يحفظ الحقوق ويمنع الحرج.
التشريع الإسلامي: تنظيم دقيق ورؤية شاملة
أشار جمعة إلى أن هذه الأحكام، سواء المتعلقة بتحديد الزمن أو الأمومة، تعكس عدل الإسلام ومرونته في التعامل مع طبيعة الإنسان وظروفه. فالاعتماد على الشهور القمرية يجعل الشريعة متصلة بحركة الكون، ويسهل على المسلمين في كل مكان وزمان الالتزام بها.
أما توسيع مفهوم الأمومة ليشمل الرضاع، فهو تأكيد على أهمية الأسرة وترابطها في الإسلام، مما يحفظ العلاقات بين أفرادها على أسس واضحة وثابتة.
تُظهر هذه التفسيرات الدقيقة للآية 233 من سورة البقرة، التي تناولها الدكتور علي جمعة، مدى الحكمة والتكامل في التشريع الإسلامي. فالسنوات القمرية ليست مجرد اختيار عشوائي، بل هي نظام رباني دقيق. كما أن مفهوم الأمومة يعكس اهتمام الإسلام بتوسيع الروابط الأسرية والاجتماعية بما يحمي المجتمع من التفكك ويعزز القيم الأخلاقية.