فى افتتاحية الواشنطن بوست كتب المحلل الأمريكى ديفيد أغناطيوس «المنطق الصارم للحرب أثبت أنه أقوى من المنطق الناعم للسلام». وهو ما حدث بالفعل كان امتداد حرب غزة إلى لبنان أمرًا لا مفر منه. ما يحدث يحمل دلالات كبرى لها تداعياتها، ليس فقط على مستقبل لبنان، لكن على المنطقة بأسرها. التصعيد الإسرائيلى الأخير على حزب الله، وخاصة اغتيال نصر الله، وجه ضربة قاسية لقدرات الحزب العسكرية وعلى مستوى القيادة الميدانية، الأمر الذى أتاح لإسرائيل الفرصة لتحقيق هدفها المعلن المتمثل فى إجبار الحزب على وقف هجماته على شمال إسرائيل وفى مرحلة تالية سحب قواته من الحدود إلى شمال نهر الليطانى.
على عكس إسماعيل هنية؛ مثل اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبنانى حسن نصر الله ضربة أشد وطأة لإيران. ورغم أنه حدث خارج إيران، فمن المرجح أن يُنظَر إليه ليس فقط من منظور مهنى، بل ومن منظور شخصى أيضاً. فقد ارتبط نصر الله والمرشد الأعلى الإيرانى آية الله على خامنئى لمدة أربعة عقود، ولم يشتركا فى أيديولوجية سياسية فحسب، بل وأيضاً أيديولوجية دينية. فحزب الله يقبل المفهوم الإيرانى لولاية الفقيه يقبل حزب الله فيه أيضاً المرشد الأعلى الإيرانى باعتباره السلطة العليا.
وكما كان العالم قبل أحداث 11 من سبتمبر غير العالم بعده، الشرق الأوسط على وجه التحديد ما قبل هجمات السابع من أكتوبر غير الشرق الأوسط بعدها، والوضع كله ما قبل استهداف نصر الله والرد الصاروخى الإيرانى غير الوضع بعده. على مستوى الداخل اللبنانى، تبدو الحاجة ملحة لتوافق لبنانى - لبنانى حول المرحلة القادمة، مع تراجع ولو مؤقتا لحزب الله من المشهد السياسى اللبنانى، وهو ما يتطلب تنفيذ ما تم الإعلان عنه من جانب نجيب ميقاتى ونبيه برى حول الإسراع فى انتخاب رئيس للبنان يكون لديه القدرة على استعادة الوحدة اللبنانية، وإعادة التأكيد على دور القوات المسلحة اللبنانية باعتبارها القوة المسلحة الوحيدة فى الأراضى اللبنانية، وتفعيل أركان الدولة دستوريا وتشريعيا، بما يمكن لبنان من المضى قدما فى المواجهة السياسية والدبلوماسية خاصة فيما يتعلق بتنفيذ بنود القرار 1701.
أما على الجانب الإيرانى، وحتى ما بعد الضربة الصاروخية التى جاءت لاستعادة الردع مع إسرائيل حتى ولو بشكل نسبى، ومن جانب آخر رفع الروح المعنوية لقواعد ومقاتلى حزب الله واحتواء حالة الغضب لديهم على مقتل نصر الله دون وجود رد مناسب. لكن رغم حزن قادة إيران الشديد على فقدان نصر الله فإن الأولوية القصوى لطهران تظل استقرار النظام الإيرانى وأمنه. وإيران لا تقل نفوراً عن أى طرف آخر فى الشرق الأوسط من الانخراط فى حرب واسعة النطاق، وهو الصراع الذى قد ينتهى بالتصفية الكاملة لحزب الله أحد أبرز أذرع الردع الإيرانية.