بقلم اللواء أح/ مجدى أبو المجد
نستكمل حديثنا اليوم عزيزى القارئ مع الوضع الحالى في السودان والذى يعد صراعاً للحصول على السلطة بين قوات الجيش السودانى وقوات الدعم السريع ، وللوصول إلى افضل سيناريو لانتهاء تلك الأزمة سيكون هو السيناريو الأسوء بالنسبة للشعب السوداني، الذي يعاني الآن من ويلات الحرب بعد تدمير مرافق البنية التحتية لديه، وانقطاع الماء بعد سيطرة قوات الدعم السريع على محطة المياه التي تمد الخرطوم بالمياه الصالحة للشرب، فضلاً عن سيطرة قوات حميدتي على مصفاة النفط الرئيسية بالخرطوم التي تزود العاصمة بالطاقة، وعلى الجانب الآخر فالجيش السوداني متمركز بشكل يحيط بقوات الدعم السريع، ويساعده على ذلك القوات الجوية التي تفتقر إليها قوات الدعم السريع التي تعاني أيضاً في ظل نقص الإمدادات اللوجيستية، ما يعزز تفوق الجيش السوداني في ميدان المعارك ، ويبدو أنه من الصعب تحديد توقيت لانتهاء الحرب المشتعلة في السودان، ويظهر فى الأفق بأنه لا حل عسكري في السودان، وهذا ما يعني أن أي طرف من طرفي الصراع غير قادر على حسم المعركة حالياً، فالصراع معقد وهناك عدد من العوامل التي تسهم في استمراره ، كدعم الأطراف الخارجية، وقوة كل طرف من الأطراف المتنازعة، ومستوى الدعم الدولي للحكومة المدنية، واستعداد الجيش لتقديم تنازلات، وطول أمد الصراع يجعل من الصعب التنبؤ بنتيجة الأزمة الحالية في السودان، إلا أن الشيء الأكيد هو الدمار الذي حل وسيحل بالبلاد، وحالة عدم الاستقرار التي تمثل تحدياً كبيراً على دول المنطقة، خاصة مع عمليات نزوح المواطنين السودانيين من ديارهم المدمرة إلى الدول المجاورة، فالأزمة السودانية تعد تحدياً على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي كذلك، وهو ما جعل المجتمع الدولي يطالب بهدنة لأكثر من مرة لتأمين عمليات إجلاء مواطنيها من السودان.
السؤال الأهم والمفيد ، ما العمل أو بمعنى آخر ماهى الرؤية المصرية للتعامل مع الازمة السودانية ؟!! وما هي آليات التحرك المصري في التعاطي مع تلك الأزمة؟ ، فالإجابة على هذا السؤال ، يجب أولا التعرف على مفهوم الأمن القومي على اعتبار أنه يشكل المحدد الرئيسي للسياسة الخارجية لأي بلد تجاه الأوضاع الداخلية والخارجية على حد سواء ، مفهوم الأمن القومي يعني ببساطة ودون الدخول في جدل نظري لا طائل من ورائه هو الحفاظ على مقدرات وإمكانات الدولة من الأخطار ، وهذه المقدرات تشمل أولا كيان الدولة والرموز الدالة على وجودها كالدستور والعلم والشعار الوطني والعملة الوطنية، ويضم كذلك الإقليم بحدوده المعروفة، والهوية الوطنية واستقرار النظام السياسي، ثم السيادة الوطنية في الداخل وتعني السيطرة التامة للدولة على كامل ترابها وعلى من يعيشون على هذا التراب ، وخارجيا وقوف الدولة على قدم المساواة مع الدول الأخرى في المجتمع الدولي ، وحصولها على جميع حقوقها ووفائها بكامل التزاماتها ، يضاف إلى ذلك استقلالية الدولة سواء في مواجهة القوى الخارجية أو الداخلية، وتتضمن المقدرات أيضا كينونة المجتمع ، والموارد المادية (الطبيعية والاقتصادية) ، والموارد البشرية (نوعية البشر وصحتهم وتعليمهم وثقافتهم ونظام القيم).
ووفقا لهذا التعريف عزيزى القارئ لا يمكن اعتبار ما يحدث في السودان شأنا داخليا لا يخص الأمن القومي المصري لعدة أسباب اولا: عدم الاستقرار السياسي في السودان قد تكون له آثار اقتصادية وسياسية سيئة على مصر، ففي حالة حدوث قلاقل في الخرطوم مثلا كتلك التي حدثت مؤخرا، فإنه سيترتب على ذلك حدوث نزوح جماعي للاجئين الفارين من الحرب تجاه دول الجوار، ومن بينها مصر ونحن نعلم جميعا أن هؤلاء اللاجئين قد يشكلون عبئا على مصر سواء في النواحي الاقتصادية، أو حتى الأمنية، لأن هؤلاء اللاجئين قد يهربون ومعهم السلاح، وقد يفكرون في استخدام الأراضي المصرية في شن هجوم مضاد داخل الأراضي السودانية، كما أن بعضهم قد يفكر في التغلغل داخل الأراضي المصرية لحساب دول أخرى تهتم بزعزعة الأمن القومي المصري ، والمقصود بذلك تحديدا إسرائيل، خاصة بعدما أثبتت أحداث أزمة جنوب السودان، وأزمة دارفور وجود علاقات إسرائيلية مشبوهة سواء مع الجيش الشعبي لتحرير السودان في الجنوب، أو بعض حركات التمرد في دارفور مثل حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد نور الذي افتتح منذ أكثر من خمس شهور تقريبا مكتبا لحركته في تل أبيب ، فأي مساس بالاستقرار في السودان هو مساس بالأمن القومي المصري، ومن ثم فإن مصر ترغب دائما في البقاء على استقرار السودان ومنع تفتيته وتجزئته إلى أقاليم فرعية، أو حتى إضعافه كما ترغب في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل والعديد من الدول التى لها مصالح أخرى فى السودان ولا مجال لذكرها هنا، وللحديث بقية