رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

إدموند ألنبي، ذلك الجنرال البريطاني الذي عرفته صفحات التاريخ باسم الفايكونت الأول، شخصية لا يمكن النظر إليها دون إدراك حجم الدور الذي لعبه في تاريخ منطقتنا، لكنه في الوقت ذاته رمز للتدخل الاستعماري الذي حاول أن يملي إرادته على شعوب الأرض العربية. 

ولد ألنبي في نوتنغهامشير عام 1861 في أسرة ثرية مرتبطة بالكنيسة الإنجيلية الشرقية، وتلقى تعليمه في الكلية العسكرية الملكية بساندهيرست، قبل أن يبدأ مسيرة عسكرية طويلة شملت إفريقيا وجنوب أفريقيا، ليصل في النهاية إلى فلسطين ومصر، حيث أصبح اسمه جزءا من الوثائق التاريخية التي لا يمكن تجاهلها.

حين وطأت قدماه أرض مصر، لم يكن مجرد ضابط بريطاني قادما للقيادة، بل كان مندوبا ساميا يحمل سلطة كبيرة، وقراراته لم تكن تخلو من تأثير مباشر على مصير البلاد وشعبها. 

من أول أعماله، دعم قوات لورنس العرب بتمويل ضخم، ولكن ما إن دخل المعترك العسكري حتى تجلت حقيقة هدفه: السيطرة وتوسيع النفوذ البريطاني في الشرق الأوسط. 

معركة غزة الثالثة في أكتوبر 1917، وانتصاره المفاجئ في بير سبع، تثبت مهارته العسكرية، ولكنها في الوقت نفسه تبرز الطبيعة الاستعمارية التي لا تتورع عن فرض إرادتها بالقوة.

والحظة الأكثر رمزية في مسيرته كانت دخوله القدس راجلا في ديسمبر 1917، تكريما للمدينة المقدسة، وكأنه يود أن يرسل للعالم رسالة القوة والسيطرة، ويعيد صياغة التاريخ على هواه. 

القدس، التي ظلت تحت الحكم العثماني لأربعمائة سنة، شهدت في تلك اللحظة نهاية عهد، وبداية عهد آخر، ليس للشعب العربي بل للنفوذ الأجنبي. 

انسحاب العثمانيين لم يكن نهاية المعركة، بل كان بداية مأساة وعد بلفور الذي أعطى فلسطين لليهود على حساب العرب، بعد أن خذلهم الإنجليز وحلفاؤهم الفرنسيون، وخذلوا الأحلام العربية في إقامة الدولة العربية الكبرى.

إدموند ألنبي لم يكن مجرد ضابط، بل كان رمزية الاستعمار البريطاني في منطقتنا، فقد قام بنفي سعد باشا من منصبه، وفرض إرادته على القيادة المصرية، وأصبح اسمه محفورا في الوثائق التاريخية التي تذكرنا دائما بأن التاريخ لا يكتب بالقوة وحدها، بل بمقدار ما يحكم ويفرض من الخارج على إرادة الشعوب. 

ورغم إنجازاته العسكرية المبهرة على الورق، فإن أثره في منطقتنا ظل مرا، لأنه جاء متزامنا مع وعد بلفور وتصفية الحقوق العربية، وترك بصمة عميقة من الغضب والخذلان لدى العرب الذين كانوا يأملون في الحرية والعدالة.

حين تقاعد ألنبي وعاد إلى إنجلترا عام 1925، لم يكن قد أدرك أن اسمه سيظل مرتبطا في ذاكرة العرب بالمؤامرة على قضيتهم، وبالعدوان على آمالهم الوطنية. 

عاش فترة قصيرة بعد تقاعده، ومات عام 1936 عن عمر يناهز خمسة وسبعين عاما، دفن في كنيسة وستمنستر، بعيدا عن أرض عرفها كقائد، لكنها لم تكن أرضه، تاركا خلفه تاريخا معقدا مليئا بالانتصارات العسكرية من جهة، وبالخيانة الاستعمارية من جهة أخرى.

الجنرال ألنبي بالنسبة لنا ليس مجرد شخصية عسكرية، بل هو تذكير دائم بأن الشعوب العربية وحدها هي من تصنع تاريخها، وأن أي تدخل خارجي مهما بدا فنيا أو محترفا يجب أن يقرأ بعين الحذر والوعي. 

إن تاريخه العسكري الممتد من غزة إلى القدس، وانتصاراته الميدانية، لا تنفي حقيقة أن سياساته وقراراته تركت أثرا سلبيا على شعوب المنطقة، وأدت إلى تفكك أحلامها الوطنية. 

ومن هنا، تظل شخصيته، رغم كل الإنجازات العسكرية، رمزا للنفوذ الأجنبي في منطقتنا، ودرسا لا ينسى عن معنى الحرية والسيادة، وعن ضرورة أن يكون القرار العربي بيد العرب وحدهم.