عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عصف فكرى

القراءة طريق، جسر، وساحة بوح، وحقل معارف، ونول جمال وسحر. تنفتح الألباب بالمعرفة، وتتراكم الخبرات بالاطلاع، وتنفعل الأدمغة للتفكير والتحليل، وتتحفز للإبداع والابتكار.
ما الفكرة الجيدة سوى نتاج أفكار سابقة متلاحمة ومتشابكة ومتراكمة ومتصارعة.. وما التقدم سوى أفكار جديدة.
ولا شك أن القراءة خلافاً لتصورات نمطية– شهدت تقدماً كبيراً فى السنوات الأخيرة فى عالمنا العربى. فقبل نحو عقدين لم يكن أمامنا من تقييم لمستوى القراءة فى الدول العربية سوى التقرير الوحيد الذى أصدرته هيئة اليونيسكو عن التنمية البشرية فى العالم العربى سنة 2003، والذى كان يذبحنا بقوله إن نسبة القراء فى العالم العربى أقل من واحد فى المائة من القراء فى العالم، وأنه بين كل ثمانين شخصاً، هناك شخص واحد يقرأ كتاباً فى السنة.
وووفقاً للتقرير ذاته، فإن عدد المدونات العربية بلغ وقتها نحو 490 ألف مدونة، وهى أقل من سبعة فى المائة من المدونات فى العالم كله.
وقد أنتج ذلك ثقافة سمعية خانعة غلبت عليها الرؤى الدينية عبر ظاهرة شريط الكاسيت التى أتاحت الفرصة للإسلاميين بمختلف ألوانهم وقبعاتهم السياسية ليسيطروا على أجيال عديدة استسهلت الثقافة السمعية عن القراءة. وهكذا لم يكن غريباً أن يهيمن على عقول الناس من يعرفون أنفسهم بالدعاة الجدد، وأن تلمع منهم أسماء تمتلك خفة الظل، والصوت المؤثر، واللباقة والبلاغة اللفظية مثل محمد حسين يعقوب، محمد حسان، وأبوإسحاق الحوينى، وغيرهم ممن أسماهم البعض بالدعاة الجدد.
لكن الثقافة السمعية انهارت فى العالم العربى لسببين واضحين: أولهما إقليمى وهو انكشاف التيارات الدينية فى العالم العربى بعد عواصف 2011 ووصول بعض فصائلها إلى الحكم فى بعض البلدان، وشعور أجيال الشباب بالانخداع والتخبط بسبب مواقف وسياسات وأداء هذه الفصائل، ومن ثم اندفع كثيرون للبحث الذاتى عن المعرفة بعيداً عن أنظمة التلقين المعتادة مثل الاستماع لدرس أو محاضرة.
السبب الثانى كان عالمياً، وهو التطور الكبير فى أنظمة التكنولوجيا الذى أتاح ألواناً من المعارف مجاناً وبأسعار زهيدة ودون صعوبات أو حواجز لتنتشر الكتب الإلكترونية وتنطلق التطبيقات وتؤسس صفحات التواصل والنقد والانطباعات ويتسع حجم القراءة بصورة مذهلة.
فوفقاً لإحصائية جديدة أجرتها مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم سنة 2016، فقد ارتفع متوسط القراءة لدى المواطن العربى إلى 35 ساعة سنوياً، وقد وصلت معدلات القراءة إلى أعلى مستوياتها فى مصر التى سجلت متوسط ثمانين ساعة، وأدنى مستوياتها فى الصومال التى سجت سبع ساعات فقط. وخلصت الدراسة إلى أن المواطن العرب يقرأ نحو ستة عشر كتاباً سنوياً. وبينت الإحصائية أن من بين هذه الكتب سبعة كتب فى مجال العمل أو الدراسة وتسعة كتب فى المعرفة العامة.
وربما كان هذا دافعاً لكثير من الباحثين والمهتمين بسوق الثقافة العربى للتأكيد على تقدم القراءة فى العالم العربى، وهو ما أشار إليه صديقنا الباحث والكاتب سامح فايز فى كتابه «بيست سيللر» والصادر عام 2020 عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة، إذا يؤكد أن الزخم الجارى فى المكتبات العربية والندوات والمنتديات والمهرجانات التى تنظم للقراءة لا تنطلق من سراب، وأن أمة «اقرأ» التى كان كثيرون يتندرون على كونها لا تقرأ، تغيرت تماماً.
وتعزز ذلك الدراسة الشهيرة التى أجرتها شركة «استاتستا» الألمانية مطلع 2021 بالتعاون مع صحيفة «الإندبندنت» التى أكدت اتساع حجم القراءة فى العالم العربى خاصة فى كل من مصر والسعودية، حيث احتلت الأولى المركز الخامس عالمياً، بينما احتلت الثانية المركز الثانى عشر عالمياً.
وإذا كانت مصر تحتل المركز الأول عربياً فى عدد الكتب المنشورة كل سنة بحجم يبلغ نحو 22 و23 ألف كتاب سنوياً، وفقاً للإحصائيات الحديثة، وإذا كان أكثر من نصف هذه الكتب المنشورة كتباً أكاديمية وتعليمية، ووفقاً لتأكيد محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين العرب، لكاتب السطور، فإن سوق الكتب الثقافية فى مصر يبلغ نحو ثمانية آلاف كتاب جديد، وهو ما يعادل نصف حجم الكتب الجديدة فى العالم العربى.
وهنا فإننا لا نمتلك إحصاءات واضحة ودقيقة حول نوعيات الكتب المنشورة والمقروءة، لكن هناك تقرير لاتحاد الناشرين العرب صدر سنة 2017 أشار إلى أن الكتاب الدينى ما زال يمثل 40 فى المائة من سوق الكتب الرائجة، وأن الروايات الأدبية تحتل المرتبة الثانية بنسبة 20 فى المائة، وتأتى لاحقاً كتب الأطفال بنسبة 5 فى المائة، ثم دراسات التاريخ والفكر والسير، بينما لا تزيد الكتب العلمية على 3 فى المائة.
وثمة اتجاه لم ترصده بعد أى دراسات أو إحصائيات يشير إلى وجود موجة إقبال كبير لدى جمهور القراءة العربى خاصة فى دول الخليج على الفلسفة، والكتب الفكرية، وهو ما يعزز نمو جيل جديد يبحث عن طرق ومناحٍ للتفكير.
ولاشك أن كل ذلك مبهج ومبشر ومثير للتفاؤل فيما يخص الأجيال القادمة التى ستكون أفضل حظاً منا فى المعرفة، والوعى والانفتاح، لكن من المهم جداً الحفاظ على ما تحقق والمضى قدماً فى مضاعفة القراءة وتوسيع جماهيرها باعتبار أن المعرفة هى حائط الصد الأول ضد كل الأفكار الشاذة وضد سمات وخصائص التخلف، وأنه من خلال القراءة والثقافة يمكن تخريج عقول جديدة مختلفة، قادرة على تحقيق طموحات ظلت لعقود طويلة مؤجلة.
لقد كانت أول آيات القرآن الكريم نزولاً إلى الأرض آية «اقرأ»، ولم تكن «آمن». و«اقرأ» هنا ليس مقصودا بها قراءة القرآن وحده، وإنما هى دعوة للإنسان لقراءة الكون، كل الكون بناسه، وظواهره، وتحولاته، وثقافاته، والبحث فى مختلف المباحث، والاطلاع على كل ألوان المعارف، كنقطة انطلاق لتحقيق مراد الله لعباده بعمارة الأرض. فالقراءة هى الحل.
والله أعلم
[email protected]