عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

قبل أيام أعلن الادعاء العام فى سويسرا توجيه الاتهام للسياسى السورى السابق رفعت الأسد لمسئوليته عن مذبحة مدينة حماة، والتى مر عليها أربعون سنة، وراح ضحيتها نحو عشرة آلاف إنسان.
وقطعا فإن هذا الإجراء شكلى، لأن المتهم عاد بالفعل إلى بلاده، بعد سنوات طويلة قضاها بين منفى وآخر على إثر خلافه مع الرئيس الراحل حافظ الأسد، ولأن عمره اقترب الآن من التسعين عاما.
وفى كل الأحوال فقد عودتنا الدوائر الغربية على مثل هذه المحاكمات الشكلية التى قد يكون وراءها أغراض سياسية أخرى، ففيما مضى رأينا دعاوى مثيلة ضد الجنرال الجزائرى خالد نزار، ومن قبله ضد رجل الأمن المغربى محمد أوفقير، وغيرهما الكثير من المسئولين والقادة العرب.
وقد يقول قائل، ومعه الحق إن مثل هذه القضايا ليست انتصارا للعدالة فقط، وفى الأغلب فإن وراءها ضغوطا وأغراضا غير نزيهة، وإلا فمَن حاكم الجنرالات الإسرائيليين المسئولين عن المذابح وعمليات الإبادة العلنية ضد الفلسطينيين على مدى أكثر من نصف قرن؟
لكن على أى حال، فإن ذلك لا يعنى أبدا أن المذابح مختلقة، وأن المتهمين أبرياء، وأنهم ضحايا تلفيق غربى استعمارى مؤامراتى. وليس هناك مبرر مانع للشعور بالازدراء تجاه كل مَن اقترفت يداه بدم الأبرياء فى معارك من أجل حُكم أو سلطة أو مكسب، شرقا أو غربا، حديثا أو قديما، حيا أو ميتا، فجرائم الدم لا تسقط بالتقادم، وضحايا الظلم لا يعوضهم شىء.
ولقد عودنا التعمق والتدبر فى قراءة التاريخ أن كثيرا من القتلة يفلتون بجرائمهم، وأن بعضهم قد يحقق أمجادا ظاهرية، وأن صور البعض تزدهر، وأن مكانتهم قد تعلو فى مخيلة الأجيال التالية بفعل تدوين التاريخ الرسمى، لكن مَن قال إن حسابات الدُنيا دائما عادلة؟
وحسبنا أن نذكر مثالا مهما وواضحا لتحول السفاحين القتلة إلى عظماء، هو الوالى الكبير محمد على باشا، الذى حكم مصر خمسا وأربعين سنة قهرا، واستبد منفردا بكل شىء، بعد أن أزهق أرواح ألف مملوكى غدرا فى مذبحة مروعة قتل فيها خصومه بعد دعوتهم على مأدبة طعام، لقد صار هذا الرجل ملء السمع والبصر بما حقق من انتصارات على أعدائه، واعتبرته الذاكرة الجمعية للمصريين باعثا لنهضتهم الحديثة، وهو قول باطل سبق وأن فندته، وفنده آخرون ممن يهتمون بتحليل التاريخ.
وربما كانت من أخطاء أحد مثقفى جيلى البارزين، وهو الكاتب أحمد المسلمانى التى لا تغتفر أنه كتب يوما فى «المصرى اليوم» مقالا يحتفى فيه بمذبحة المماليك مُسميا إياها بـ«الجريمة الرائعة» مقدما تفسيرا مغلوطا مفاده أن المذبحة كانت فاصلا بين التخلف والحداثة، وأنها كانت ضرورة لبناء الأمجاد وتحقيق الانتصارات، وقد أعفى الأكاديمى النابه خالد فهمى الجميع من الرد على «المسلماني» بتفنيده للفكرة الواهية، المبررة للدم فى سبيل ما يتصور البعض أنه مجد وتقدم.
ولا شك أن إفلات القتلة والسفاحين من العقاب والحساب ممكن وجائز فى الدُنيا، لأن العدل يبقى دائما منقوصا على هذه الأرض، لكن ثمة يوم عدل أكبر لا يُمكن الإفلات منه، يقف فيه كل ظالم أمام الله لا يفتح فمه، موقنا أنه لا إفلات ولا نجاة.
فكما قال الشاعر العظيم أبو العتاهية: «أما والله إن الظُلم شؤمٌ/ وما زال المُسىء هو الظلومُ/ إلى الديّان يوم الدين نمضي/ وعند اللهِ تجتمعُ الخصومُ».
والله أعلم
[email protected]