رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عندما كنت صغيرًا فى قريتنا «العويضات» بمركز قفْط كانت القرية هى العالم الأكبر بالنسبة لى.. مَجالس السمر، الكُتّاب، حلقات الذِّكر، الأغانى الشعبية، عازف الربابة، شاعر المناسبات، الكتب الصفراء التراثية؛ خطيب المسجد، مجالس المنادر، عدّيد النساء فى الجنائز، أغانى الحَصَّادين، القوانين غير المكتوبة التى تحدّد المباح والعيب.. كلُّ هذا وذاك كان منبع الثقافة وبوصلة الاتجاه.. كنتُ أتساءل: ما الذى يفرض على ذلك الرجل الذى يأتى فوق حماره إذا مرَّ على مجلس عزاء يترجّل ويمشى جارًّا حماره حتى يفارق الكبار ثم يركب حماره ويذهب بعيدا؟ لماذا يحافظ الكبار على الصناديق والمكتبات القابعة فى دواليب الحيطان المغروزة بالجدار فغدت تلك الحوائط تحوى المخطوطات التى يحافظ الكبار عليها محافظة دقيقة ويتبرَّكون بها؟ القرية تختزل الحضارات والثقافات وتحلّ أزمة الإنسان المعاصر... كنت أعجبُ من أستاذى الألمانى عندما كان يهرب أيام الآحاد من بون وهى مدينة صغيرة قياسا إلى برلين وميونخ وهامبورج يفر من بون إلى قرية مجاورة ويقول لي: فى القرية أشعر بذاتى. القرية عالم فريد مدهش قائم بذاته، والطريف أن كل واحد فى القرية يعتقد أن هذه القرية تمثل العالم له، وأحداثها أشبه بحوادث العالم، يجتمع الناس فى حلقات بالمَلَقَة يهتمون بأدق الأخبار التى حدثت بالقرية، بَيْع وشراء، أو غنى مفاجئ، زواج أو طلاق، مشكلات المياه والحدود فى الأراضى الزراعية، بقرة فلان التى رفَصَتْ امرأته وهى تحلبها، والمجبّر الذى استقدموه ليجبر كَسْرها؛ علان الغائب الذى لم يعد يرسل لأمه نقودا، هذه الحكايا لا تُسرد كحدث فقط وإنما بالتحليلات والرؤى المتباينة، والمناقشات العِراكية، وعندما يصلون للأهلى والزمالك تتباين الآراء ويختلف الإخوة والأبناء مع آبائهم وأقاربهم، وتعلو الأصوات وقد تصل إلى شجار عنيف ثم يعرجون لحل مشاكل العالم فى سوريا والعراق وليبيا وكوريا الجنوبية وعلاقتها بالشمالية وأزمة الغذاء العالمى وربما طبقة الأوزون وحرائق غابات الأمازون، وتعلو الأصوات والعجيب أنهم يحللون مشكلات العالم ويقترحون لها حلولا لكنهم لا يفكرون فى مشكلاتهم الخاصة؛ ويبدأ بعضهم فى الانصراف فُرادى ليعم الصمت على الملَقة، الأعجب أن العادات والتقاليد مقدسة، ربما زحزحتها العولمة قليلا لكن الأصول أصول، وكل واحد فى القرية خبير أنساب وتواريخ مهما طال الزمن.

مختتم الكلام

كُلُّ يومٍ قطيعةٌ وعتابُ

ينقضى دهرُنا ونحنُ غِضابُ