لازم أتكلم
كل شىء فى مصر يرتفع سعره ، إلا الإنسان المصرى فقيمته فى الحضيض ، ولا تليق به ، ولا بدولته ، ولا بتاريخه وحضارته ، يصرخ فلا يستجيب له أحد ، يتحمل ويصبر فيحصد السراب حتى صار مدمنا للعيش فى الوهم ، فريسة لكل أمراض العصر ، ولم يعد الجسد العليل قادرا على تحمل كل هذه الضربات والخبطات.
قبل أيام ، وبالتحديد بعد أخرإجتماع للبنك المركزى ، وقراره برفع سعر الفائدة 2% ، قادت الحكومة حملة إعلامية قوية فى مختلف وسائلها ضد تجار السوق الموازية للذهب والدولار ، ونجحت باقتدار فى جعل الدولار ينحنى للجنيه ويتنازل له عن 17 جنيها مرة واحدة خلال يومين فقط ، وإقناع الناس بأن مليارات الدولارات ستتدفق خلال الأيام المقبلة من الامارات وصندوق النقد.
هذه الأرقام المليارية ( الاعلامية ) لم يشعر بها الناس على أرض الواقع ، سوى إنها جعلت المصريين يهرولون إلى السوق الموازية (السوداء ) لبيع ما يكتنزونه تحت "البلاطة من دولارات "، ظنا من أصحاب القلب الضعيف والمدخرين الصغار والذين لا تعينهم فائدة البنوك ، بان الدولار سيواصل النزيف وأن الجنيه سيسترد عافيته أمام الورقة الخضراء ، وانتظر ملايين المصريين هبوط الأسعارولكن لم يحدث اى إنخفاض إلا فى حجم الأمل الذى كان يملأ قلوب الضعفاء والمساكين من أبناء الشعب بيد المحتكرين والجشعين ومحترفى اللعب فى السوق السوداء .
يوم واثنان وثلاثة ، والدنيا كما هى " مولعة " ، وظلت أسعار السلع الأساسية والكمالية والاستفزازية كما هى لم يتحرك مؤشرها لأسفل أبدا ، بل على العكس قفز لأعلى ، تاركا الناس تكلم نفسها : " إيه اللى بيحصل ده " .
اللحم العادى بـ 450 جنيه للكيلو، والفراخ 190 جنيها للكيلو والبانيه 220 جنيها ، وعن الخضار والفاكهة فتحدث ولا حرج ، ناهيك عن أسعار السلع الكهربائية والمنزلية والخشبية ، ثم الأسمنت والحديد وما أدراك ما الحديد الذى رفع سعر الشقق والايجارات إلى نارجهنم ، ليضرب الشباب أخماسا فى أسداس ، فلا فرصة عمل جيدة ولا راتب معقول ولا زواج ولا استقرار ولا مجتمع بيرحم . الناس بتقول : خدعة من الحكومة لضرب تجار السوق السوداء ، والحكومة وكبار المسئولين يقولون لا .. إنها خطة مدروسة ونتائجها ستظهر قريبا بعد اسبوع او اسبوعين ، أما تجار السوق السوداء فهم الأذكى والمستفيدون دائما من أى خطوة تقدم عليها الحكومة ؛ فما أن تلقى التجار الضربة الفجائية بداية الإسبوع ؛ حتى احتفظوا بما جمعوه من دولارات خلال الشهور الماضية ، وسرعان ما ألقوا بملايين الجنيهات فى جميع المحافظات عبر صبيانهم فى السوق، يجمعون الدولارات من المضطرين لبيعه لتدبير إحتياجاتهم ، ولم تمض أيام معدودات حتى وقفوا على أرجلهم مجددا ، يشترون الدولار بسعر بخس ، ويبيعونه بسعر أعلى فى اليوم التالى للمضطر ومن يجيد فن لعبة القط والفار، ومن بداخله يقين بان الدولار سيرتفع مجددا ويتجاوز السبعين.
وما بين خطة الحكومة وقبضة التجار ، تبقى الحقيقة المُرة وهى إننا سنبقى نلف وندور حول أنفسنا فى معركة ليست سهلة مع الذين يستثمرون فى معاناة الشعب المصرى ؛ مستغلين غياب الرقابة الجادة والفعليه عن هؤلاء المحترفين والمتمرسين فى صناعة وزيادة الطلب على الأخضر الأمريكى .
نعم هناك حملات من وزارة الداخلية على أعشاش السوق السوداء ، واخرى من جهاز حماية المستهلك ، ولكن كل هذه الحملات غير المنتظمة وذلك الجهد المشكورلا يكفى ، وخاصة وأن لهولاء المحترفين " ناضورجية " يشمون رائحة الشرطة، ولهم طرقهم وأساليبهم فى معرفة موعد الحملات والمداهمات .
أن التجارة بقوت الشعب وضرب إقتصاده؛ لتحقيق مصالح شخصية ، تحتاج إلى حملات مستمرة على مدار الساعة ، تأخذ طابع المبادرة ، وليس رد الفعل وانتظار الشكوى أو البلاغ ، وأن تتحرك وزارتا الصناعة وقطاع الأعمال ، لتشغيل المصانع المتعثرة وأن يجد المستثمر المحلى والأجنبى خطة واقعية لجذبه وإستثمار أمواله بعيد ا عن التعقيدات.
إنقاذ إقتصاد مصريا سادة يبدأ باسراع عجلة الاستثماروتشغيل الماكينات زيادة معدل الصادرات ، وجذب مدخرات العامين بالخارج ، إننا فى حاجة إلى انتاج فعلى وحقيقى فى شتى المجالات ، وبدون ذلك سيبقى الجنيه المصرى ( أعرج ) أمام الدولار ، بعد ان ضرب الضمور شرايينه وخنقته السوق السوداء.