عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

بينى وبين معرض القاهرة الدولى للكتاب علاقة عميقة تنهض على عشق جارف للكتاب. عشق كان وما زال يهبنى فضائل لا نهائية من المعارف المثمرة الممتعة. هذا العشق ورثته عن الوالد العظيم المرحوم عبدالفتاح عراق ومن أشقائى الكبار، حيث كانت القراءة هى الفاكهة المقدسة التى نتناولها يوميًا فى بيتنا العامر بحب الحكمة والثقافة والأدب والفكر والفن.

أذكر جيدًا وأنا أطفل كيف كنت أطالع الأهرام كل صباح، وكيف أنصت إلى مناقشات الوالد مع أشقائى المرحوم إبراهيم والمهندس فكرى، رعى الله أيامه ولياليه، والمرحوم فوزى، وشقيقتى الراحلة ماجدة. كانت النقاشات لا تتوقف حول السياسة والدين والفكر والموسيقى والطرب والسينما والمسرح إلى آخره.

ولأنى كنت أصغر من أن أعى كل ما يقال، ولا حتى ربعه، فكنت أعتصم بالإنصات والمتابعة والتأمل، ولما دارت الأيام وانحشرت فى طور الصبا مع الصبيان، زاد ولعى بالقراءة، وعرفت الطريق إلى الكتب، بعد أن صادقت زمناً الصحف والمجلات.

هكذا إذن اصطحبنى شقيقى الأكبر إبراهيم إلى معرض القاهرة الدولى للكتاب للمرة الأولى. كان المعرض يقام آنذاك فى أرض الجزيرة (دار الأوبرا حاليًا)، حيث افتتح المعرض وزير الثقافة ساعتها الروائى الشهير يوسف السباعى.

فى ذلك الوقت كنت مفتوناً بروايته (آثار فى الرمال) التى تحولت إلى فيلم عام 1954 أخرجه جمال مدكور ولعب أدوار البطولة كل من فاتن حمامة وعماد حمدى وزهرة العلا.

المهم، فى يوم افتتاح المعرض فى 1977، قادنى تجوالى فى أروقته إلى جناح دار المعارف، لأفاجأ بالجزء الأول من مذكرات يوسف وهبى التى وضع لها عنواناً مثيراً هو (عشت ألف عام).

على الفور تناولت الكتاب من فوق الرف وشرعت فى قراءته بنهم. ذلك أن الوالد من عشاق يوسف وهبى، وكم شاهده على المسرح وفى دور السينما فى ثلاثينيات القرن الماضى وأربعينياته، وكم حكى لى عن أمجاد الرجل المسرحية ودوره الرائد فى فنون التمثيل، فعشقته كما عشقه أبى من قبل.

المهم، وأنا منهمك فى القراءة أقبل الوزير يوسف السباعى ليتفقد أجنحة المعرض وحوله كوكبة من مرافقيه. كان طويلاً بهياً مشرقاً ذا وجه أبيض تكسوه حمرة أجنبية، أما عيناه فخضراوان تشعان بوميض أخاذ، كأنه هبط أرض مصر من عالم آخر.

يمشى بخطوات منضبطة وحوله حاشيته مثل ملك. وفجأة تعثر معالى الوزير فى السجادة وكاد ينكفئ على وجهه، لولا أن سارع مرافقوه ولحقوا به قبل أن يرتطم رأسه بالأرض.

على الفور اعتدل الرجل واسترد هيبته وضبط هندامه، ثم واصل سيره بالجدية نفسها حتى اقترب منى وسألنى ماذا تقرأ؟ فأريته الكتاب دون أن أهمس فالحياء يمزق منى الحواس، فأنا أعرفه جيدًا، وكم رسمت ملامحه الفريدة التى أسرنى تناسقها الجميل.

ابتسم الرجل وربت كتفى أنا الصبى النحيف وقال لى بنبرة أبوية: (برافو عليك).

ثم واصل جولته وهو أكثر حرصًا حتى لا يتعثر مرة أخرى، بينما عدت إلى يوسف وهبى ومغامراته المذهلة!