رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نداء القلم

التواصل مع الله استعداد مباشر بالعظمة الإلهية داخل أطواء النفس البشرية. وشعورنا بالشوق إلى تلك الحقيقة الكبرى ليس هو ممّا يحتاج إلى تفسير علمى ولا إلى قياسات نظريّة؛ لأن ميدان العلم غير ميدان الذوق الباطن. والخلط بينهما خلطُ بين العقل النظرى والاستبطان الشعوري. ولا يسلم العلم من إعمال قوانينه فى ميدانه كما لا يسلم الذوق الباطن من استعداد يؤهله للاتصال بالحقيقة العظمى، ولو بطرق غير تقليديّة، وهى على الجملة عنوانُ البساطة فى التواصل مع الله والاستعداد لمعرفته. 

يتحوّل الكفر البواح فى بعض الأحيان إلى محض إيمان، ومن الإيمان الخالص تتراءى أشكال الكفر ظاهرة لكنها لا تمسُّ حقيقته ولا تقدح فى نقائه. 

ولاكتشاف الطرق غير التقليدية للتواصل مع الله نجد مثلاً فى الرواية الصوفية البديعة عن جلال الدين الرومى وشيخه شمس تبريزى، قواعد العشق الأربعون، لإليف شافاق، وترجمة خالد الجبيلى، هذه القصة المثيرة لاكتشاف الطرق غير التقليدية للتواصل مع الله :

فى أحد الأيام كان موسى يسير فى الجبال وحيداً عندما رأى من بعيد راعياً. كان الرجل جاثياً على ركبتيه، ويداه ممدودتين نحو السماء، يصلي. غمرت موسى السعادة، لكنه عندما اقترب منه، دهش حين سمع الراعى يصلى بحرارة :

)يا إلهى الحبيب؛ إنى أحبّك أكثر ممّا قد تعرف. سأفعل أى شيء من أجلك، فقط قل لى ماذا عَسَاَكَ تريد؟ حتى لو طلبت منى أن أذبح من أجلك أسمن خروف فى قطيعى، فلن أتردد فى عمل ذلك: أشويه، وأضع دهن إليته فى الرّز ليصبح لذيذ الطعم(.

اقترب موسى من الراعى، لينصت إليه أكثر: ثم سأغسل قدميك، وأنظف أذنيك، وأفليّك من القمل. هذا هو مقدار محبّتى لك).

عندما سمع موسى ذلك، صاح مقاطعاً الراعى وقال:( توقف، أيها الرجل الجاهل! ماذا تظن نفسك فاعلاً؟ هل تظن أن الله يأكل الرّز؟ هل تظن أن لله قدمين لكى تغسلهما؟ هذه ليست صلاة. هذا كفرٌ محض. هذا كفر محض).

كرر الراعى الذى أحسَّ بالذهول والخجل اعتذاره، ووعده بأن يصلى كما يُصلى الأتقياء، فعلمه موسى الصلاة فى عصر ذلك اليوم، ثم مضى فى طريقه، راضياً عن نفسه كل الرضا، لكن فى تلك الليلة سمع موسى صوتاً، كان صوت الله:(ماذا فعلت يا موسى؟ لقد أنّبت ذلك الراعى المسكين، ولم تدرك مَعزَّتى له، أن قلبه صاف، ونياته طيبة إنى راضٍ عنه قد تكون كلماته لأذنيك بمثابة كفر، لكنها كانت بالنسبة لى كفراً حلوا).

فهم موسى خطأه فى الحال. وفى الصباح الباكر من اليوم التالى، عاد موسى إلى الجبال؛ ليبحث عن الراعى، فوجده يصلى، لكنه، فى هذه المرة، كان يصلى له بالطريقة التى علّمه إيّاها. ولكى يؤدى صلاته بشكل صحيح، كان يتلعثم، وكان يفتقد إلى الحماسة والعاطفة كما كان يفعل سابقاً، نادماً على ما فعله له. 

رَبَتَ موسى على ظهر الراعى برفق حانٍ، وقال : يا صديقى، لقد أخطأت. أرجو أن تغفر لي. أرجو أن تصلى كما كنت تصلى من قبل، فقد كانت صلاتك ثمينة ونفيسة فى عينى الله.

تملكت الراعى الدهشة عندما سمع ذلك، لكن إحساسه بالارتياح كان أعمق، بيد أنه لم يشأ العودة إلى صلاته القديمة. ولم يلتزم بالصلاة الرسمية التى علمه موسى إيّاها. فقد اكتشف طريقة جديدة الآن كى يتواصل بها مع الله. بالرغم من أنه كان راضياً وسعيداً بإيمانه الساذج، فقد تجاوز الآن تلك المرحلة، أى ما بعد ذلك الكفر الذى كان يتحلّاه).ومفادُ هذه القصة، كما ترى : إننا لا ينبغى على الإطلاق أن نحكم على الطريقة التى يتواصل بها الناس مع الله؛ فلكل امريء طريقته وصلاته الخاصّة. أن الله لا يأخذنا بكلماتنا، بل ينظر إلى أعماق قلوبنا. وليست المناسك أو الطقوس هى التى تجعلنا مؤمنين؛ بل مقدار الصفاء القلبى، هو وحده محك الإيمان ومحك الإخلاص؛ ومتى فُقد الإيمان حرارة العاطفة وحماسة الاتصال، فقد جذوته المشتعلة فى قلوب المؤمنين. فالنمو الروحى يكمن فى وعينا، لا بتوجّسنا من أمور معينة. يجب ألا يحول شيء كائناً ما كان بين أنفسنا وبين الله؛ لا أئمّة ولا قساوسة، ولا أحبار، ولا أى وصى آخر يمثل الزعامة الدينية أو الأخلاقية، ولا السادة الروحيون؛ ولا حتى إيمانك. آمن بقيمك ومبادئك، لكن لا تفرضها على الآخرين. وإذا كنت تحطم قلوب الآخرين فمهما كانت العقيدة الدينيّة التى تعتنقها فهى ليست عقيدة جيدة.