رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

 

 

 

وبينما تدخل الحرب الوحشية الإسرائيلية على الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة والضفة الغربية شهرها الثالث، عرقلت الولايات المتحدة الأمريكية قبل أيام قليلة التصويت على قرار من دولة الإمارات يتسم بطابع إنسانى، ويهدف إلى تخفيف القبضة الإسرائيلية على المساعدات الإنسانية المتجهة للقطاع، برغم الاستجابة لشروطها فى تعديل مضمونه بإعادة صياغة بعض فقرات من نص القرار. وخلال تلك الفترة نجحت الولايات المتحدة مرتين فى إفشال صدور قرار من مجلس الأمن لوقف الحرب باستخدام حقها فى النقض –الفيتو- لتكون تلك هى المرة الثالثة التى تكشف بوضوح لا لبس فيه، أن نتينياهو وأعضاء مجلس حربه، باتوا يتحكمون فى القرار الدولى داخل الهيئة الأممية.

أنشئ النظام الدولى القائم على التنظيم القانونى للعلاقات بين الدول، فى أعقاب حربين عالمتين مأساويتين راح ضحيتهما ملايين من البشر. ومع نهاية الحرب العالمية الأولى، تم إنشاء عصبة الأمم عام 1919، واتخذت من جنيف السويسرية مقرا لها. ولأن لا وضعا مميزا داخل العصبة للولايات المتحدة، صوت الكونجرس الأمريكى على رفض الانضمام لعضويتها، برغم أن الهدف الأساسى لإنشاء العصبة، طبقا للميثاق الذى أقرته، كان منع قيام الحروب، وضمان الأمن المشترك للدول، والحد من انتشار الأسلحة، وتسوية النزاعات الدولية بالتفاوض واستخدام التحكيم الدولى لتسويتها. وكان من بين أهدافها الأخرى، تحسين شروط العمل والعمال ومقاومة الاتجار بالبشر، والتصدى لانتشار المخدرات والأسلحة، والعناية بالصحة العالمية، وأسرى الحرب، والحض على معاملة الدول المستعِمرة والمنتِدبة للسكان الأصليين معاملة متساوية.

ولم يكن اندلاع الحرب العالمية الثانية، سوى مؤشر واحد من بين أدلة أخرى على اخفاق عصبة الأمم فى تحقيق أهدافها. وفى مؤتمر «يالطا» الذى تم بمشاركة الاتحاد السوفيتى بقيادة جوزيف ستالين والولايات المتحدة برئاسة فرانكلين روزفلت وبريطانيا برئاسة «ونستون تشرشل»، تم الاتفاق على أسس لضمان نظام الأمن الجماعى للدول، ومنح الشعوب التى تحررت من النازية الحق فى تقرير المصير. وفى هذا المؤتمر وضع الرئيس الأمريكى روزفلت مبدأ حق الفيتو لكى يمنح للدول الكبرى المنتصرة فى الحرب، بعدما كان قد قبل ذلك بنحو عام، قد صاغ بنفسه المبادئ العامة لعمل هيئة الأمم المتحدة، فى سعيه لحث الكونجرس هذه المرة على الموافقة على الانضمام للهيئة الدولية الجديدة. ومنذ ذلك التاريخ، ومع امتلاك الدول الخمس الكبرى حق النقض فى مجلس الأمن الدولى، صارت التفرقة بين أوزان الدول وعدم المساواة بينها جزءا من القانون الدولى.

وتوقفت عن التأثير والإلزام قرارات الصناديق والوكالات والمنظمات المتخصصة التابعة لهيئة الأمم المتحدة، وفى القلب منها قرارات الجمعية العامة الممثلة لكل شعوب العالم، التى قد تعبر عن الرأى العام الدولى، دون أن يكون لها من الشرعية فى ميثاق المنظمة الدولية، أى قوة تلزم الدول بتنفيذها!

فى التاريخ المعاصر، لم يمارس مجلس الأمن دوره المنوط به وفقا للميثاق، بفرض السلم الدولى، وأوقف برامجه لمساعدة الدول الساعية للتنمية الاقتصادية، بل تم استخدامه لتبرير غزو الدول واحتلالها، ونهب ثرواتها، وتقسيمها وفرض العقوبات الدولية عليها، كما جرى الحال فى البوسنة والهرسك وأفغانستان والعراق وليبيا. وهو يتكرر الآن بمنح واشنطن، إسرائيل غطاء دوليا لمواصلة حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينى، باستخدام حقها فى النقض لمنع الموافقة على صدور قرار بوقف الحرب إن فى مجلس الأمن أو حتى فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، لمجرد مجاملة حلفائها فى المنطقة العربية، التى يفرض عليهم تحمل النتائج الكارثية لتلك القرارات التى تتمادى فى خرق القوانين الدولية، ومنح الحق فى الاستخدام المفرط للقوة، ومخالفة القوانين التى أرساها القانون الدولى لخوض الحروب، وابتداع شرعية قانونية جديدة، ليست لكل الدول بطبيعة الحال، بل فقط لإسرائيل وحلفائها من القوى الكبرى، التى لم تتخلص بعد من تاريخها الاستعمارى لمواصلة أدوارها التاريخية!

كشفت الحرب الإسرائيلية والدعم الغربى والأمريكى غير المسبوق لاستمرار بشاعتها، حجم الحماية الدولية التى يفخر بها نتيناهو ومجلس حربه، والتى يضفيها الفيتو الأمريكى عليهم لمواصلة كافة أشكال التنكيل بالشعب الفلسطينى. وباتوا من فرط البلادة والعنجهية يسخرون من قرارات الجمعية العامة للهيئة الأممية التى تطالبهم بوقف الحرب، والسماح بإدخال قوافل المساعدات الدولية الإنسانية للقطاع دون تعنت وعراقيل مفتعلة، بوصفها قرارات غير ملزمة، ويشيرون إلى قرارات مجلس الأمن الملزمة، مع أنهم لم ينفذوا قرارا واحدا صادرا عنه بشأن العرب أو القضية الفلسطينية منذ انشاء الهيئة الدولية.

منذ عقود دول كثيرة تطرح مشاريع وأفكارا لإصلاح نظام التصويت فى مجلس الأمن، لبعث العدالة فى القرار الدولى الذى بات محصورا فى يد الولايات المتحدة الأمريكية، وتوسيع صلاحيات الجمعية العامة لأمم المتحدة. وميثاق الأمم المتحدة يقضى فى فصله 109 الفقرة الثانية بأن التعديل لبنوده يحتاج إلى موافقة ثلثى الدول الأعضاء، بمن فيهم كل الأعضاء الخمسة الدائمين فى مجلس الأمن، وبذلك فإن تعديله، بوجود ذلك النص القيد، أصبح غير متاح. وعلى طاولة الاقتراحات فى الساحة الدولية الآن مشروع قرار فرنسى – مكسيكى يدعو إلى وضع قيود على حق النقض داخل مجلس الأمن. من بين القيود المطروحة مبدأ رفض التصويت ضد القرارات الدولية الداعية إلى وقف الجرائم الجماعية، فضلا عن منح الجمعية العامة آلية محددة لمساءلة الأعضاء الدائمين فى حال عدم الالتزام بتطبيق ميثاق الأمم المتحدة. وعلى المجموعة العربية أن تدخل طرفا فى دعم هذا التحرك مع كثيرين من دول الجنوب داخل الأمم المتحدة، حتى لا نفاجأ ذات صباح أن نتيناهو صار بقوة حلفائه، امينا عاما للهيئة الأممية!