رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقي

اليوم 11 ديسمبر يمر 112 عامًا على ميلاد العبقرى الذى عاش بيننا زمنا، الأستاذ نجيب محفوظ، وكالعادة سيحتفل بهذه الذكرى الطيبة الدارسون والمعجبون، فالرجل يعد أبرع من أنجبت مصر والعالم العربى كله فى مجال الأدب طوال الألف عام الثانية، والرجل أيضًا، لعب الدور الرئيس فى تطوير النثر العربى حتى أزعم أنه أفضل من كتب النثر فى القرون العشرة الأخيرة.

من هنا أريد أن أطل سريعًا على منطق اللغة عند محفوظ، وكيف استطاع عبر 35 رواية، ناهيك عن المجموعات القصصية والمسرحيات والمقالات أن يطور مهاراته فيسمو باللغة الفصحى إلى ذرى غير مسبوقة حتى الآن.

تعال نطالع، على سبيل المثال، ما كتبه فى (السكرية) التى انتهى منها عام 1952، لكنها صدرت فى 1957، يقول محفوظ واصفًا الصخب النفسى الذى استعر فى صدر كمال عبدالجواد عندما علم بوفاة محبوبة شبابه عايدة شداد: (وودّع النعش، وهو لا يدرى أنه يودّع ماضيه، ومن كان زوجها؟ رجل فوق الخمسين ذو زوجة وأبناء، فكيف رضى به ملاك الزمان الخالي؟ وكنت تظنها فوق الزواج، فإذا هى تعنو للطلاق ثم تقنع بنصيب الزوجة الثانية).

ثم نقفز ربع قرن لنصل إلى سنة 1977، لنقرأ ما كتبه فى ملحمته المذهلة (الحرافيش)، والتى تعد، من وجهة نظرى، أفضل عمل روائى عربى على الإطلاق. يكتب صاحب نوبل: (وقال عزيز: لقد أنكرنا حقيقة حياتنا أمامه، فاعترفنا بذلك، بمن فينا وحيد نفسه، أن حياتنا منكر لا يجوز إفشاؤه على مسمع من الطيبين).

لاحظ من فضلك أن هذه عبارة ضمن حوار بين تجار وبسطاء ومجرمين، ومع ذلك لم يتردد الرجل فى صياغتها بلغة فصحى رشيقة وعميقة وبسيطة ذات جرس موسيقى جميل، لا جمود فيها ولا رتابة، ولم يقل مثل آخرين (الحوار يجب أن يكون باللهجة العامية... لأنها لهجة الشارع)، ذلك أن الفن، أى فن، ينبغى أن يرتقى بالذوق العام لجموع الناس.

مرة أخرى، فلنثب حتى نلمس عام 1985، ونتصفح تحفة أخرى من تحف محفوظ الروائية، وأعنى (العائش فى الحقيقة)، إذ يكتب صاحب (ميرامار) نصيحة مهمة على لسان الرجل الحكيم، وبلغة فصحى رائقة كعادته: (اخترت سبيلك بنفسك يا مرى مون، فاذهب فى رعاية الآلهة. أجدادك ذهبوا للحرب أو السياسة أو التجارة، أما أنت فتريد الحقيقة، وكل على قدر همته، ولكن احذر أن تستفز صاحب سلطان أو تشمت بساقط فى النسيان. كن كالتاريخ يفتح أذنيه لكل قائل، ولا ينحاز لأحد ثم يسلم الحقيقة ناصعة هبة للمتأملين).

الحق أن لغة محفوظ فى حاجة إلى مزيد من الدراسات والأبحاث، إذ يبدو لى أن الاكتفاء ببراعته فى بناء روايات محبوكة الصنع مفيدة وممتعة، أمر لا يجوز، فاللغة جزء من مهارته وتعبير عن هذه المهارة فى بناء الرواية وضبطها فنيًا بصورة تجعلها قادرة على إسعاد الناس من قرن إلى آخر.

أجل... محفوظ أستاذ النثر العربى بامتياز.