رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

لعله الكسل أو النسيان أو الخيبة، الذى جعل الاحتفال بمئوية صدور كتاب النبى لجبران خليل جبران خافتا او غائبا إلا قليلا، عن الساحات الثقافية العربية رغم كثرة انشطتها واحتفالاتها الصاخبة، وأن تكون هيئة الأمم المتحدة هى الجهة الوحيدة التى قررت الاحتفال بتلك المناسبة على مدار العام الحالى الذى أوشك على الرحيل، لما ينطوى عليه الكتاب من قيم إنسانية رفيعة المستوى، تمجد الإنسان فى لحظات ضعفه ويأسه وفرحه وسعادته وتسدى إليه نصائح استخلصها جبران عبر رؤى فلسفية عميقة للموت والحياة، وتعلى من قيم المحبة والتسامح والاجتهاد والتحرر من كل القيود التى تجبر الإنسان على التخلى عن فطرته السليمة وتبعده عن تلك القيم.

وقد يكون من غير المبالغة القول إن فى نفس كل مثقف حر، عربيا كان أم غربيا، محبا للشعر والفن والجمال والفلسفة والتأمل، شيئا من «جبران خليل جبران». قصاص وشاعر ونحات ورسام وفنان تشكيلى غزير الانتاج، رغم عمره القصير الذى لم يتجاوز 48 سنة (1883-1931) أصدر خلالها أكثر من ثلاثين كتابا باللغتين العربية والإنجليزية، تجولت كتبه بين القصة والمسرحية والشعر والتأملات فى الطبيعة ومظاهر الحياة وعجائبها، وأفراحها ومآسيها، وسلوك بنيها، والعلاقات المعقدة المتشابكة التى تربط بعضهم ببعض، ونظرة البشر إليها، وإلى أنفسهم وإلى الآخرين، التى تتحكم فى مسارات حياتهم، وتجعلها تتأرجح بين السعادة والشقاء والأمل واليأس. وكان «النبى» هو كتابه الأشهر بينها الذى صدر عام 1923، وترجم إلى معظم لغات العالم، ولايزال من أكثر الكتب مبيعا حتى اليوم. 

عاش جبران فى المهجر بين الولايات المتحدة وفرنسا وحيدا، بعد أن فقد أسرته واحدا تلو الآخر بسبب تفشى مرض السل بين أفرادها. ولم يكن العالم الاسكتلندى السير «ألكسندر فلمنج» قد أهدى البشرية بعد اكتشافه الهام للمضاد الحيوى «البنسلين» فى العام 1928، بعد انتشار واسع لمرض السل بين الجنود، فى أعقاب انتهاء الحرب العالمية الأولى.

ورغم إصابته هو نفسه بالسل أو ما كان يعرف فى الثلث الأول من القرن العشرين بالمرض الأبيض، فقد تمكن جبران من دراسة فن الرسم، فى باريس قبل أن يستقر بشكل نهائى فى نيويورك، ويشكل مع غيره من أدباء المهجر تجمعا ثقافيا ويرأسه، هو «الرابطة القلمية» للتعريف بأدب المهجر ورواده من الكتاب والشعراء، سواء بالكتب التى نشروها، أو عبر الصحف والمجلات التى أنشأوها فى دول أمريكا الشمالية ، ممن شكلوا مدرسة جديدة فى تاريخ الأدب العربى المعاصر بشكل عام وفى حركة الشعر العربى الحديث على وجه الخصوص، التى قدموا إليها ما بات يُعرف «بوحدة القصيدة ووحدة « نصوص الديوان « كان من بين أشهر روادها «ميخائيل نعيمة». وإليا أبوماضى الذى عاش فى مصر أحد عشر عاما قبل هجرته إلى أمريكا وكتب عنها يقول: الشرق تاج ومصر منه درته، والشرق جيش ومصر حامل العلم.

كان الحب هو الأيقونة التى نحتها ورسمها وكتبها جبران بخيال خصب مترع بالصور والدلالات والرموز حول الكون والإنسان، حول الموت والحياة، حول الحبيبة مى التى عشقها ولم تمنحه الحياة الفرصة للالتقاء بها أبدا،إلا عبر كلمات الرسائل المتبادلة بينهما وكانت مى هى من قالت وهل من شقاء فى غير وحدة القلب، ولعلها تكون نظير جبران خليل جبران الأنثوى فى مجال الثقافة والفكر، وحركة التنوير والنهضة الفكرية الإصلاحية العربية فى بدايات القرن العشرين.

عاش «جبران» عاشقا للجمال محرضا الإنسان على محبته.عاش محبا للحب فى ذاته، ورأى فى الحب- كل أنواع الحب - المّخلص من كل الالآم، والُمهدى إلى كل نجاح، و المبشر بالأمل والمنقذ من وهدة الاكتئاب ووحشة العدم. وفى كتابه النبى الذى ينطوى على 26 قصيدة تحمل رسالته للبشر،رسم بنفسه لوحاتها، يستطيع من يدقق فيها،أن يجد طيف مى وصورتها. فالمحبة كما يقول لاتملك شيئا، ولا تريد شيئا أن يملكها، لأن المحبة مكتفية بالمحبة. فنبيه الذى اختار له اسم «المصطفى» ينصحنا : إذا أحببت، فلا تقل إن الله فى قلبى، بل قل بالأحرى أنا فى قلب الله، أوليس الله هو المحبة؟ لهذا ينصح المصطفى البشر: إذا أشارت المحبة إليكم فاتبعوها، وإن كانت مسالكها صعبة متّحّدرة، وإذا ضمتكم بجناحيها فأطيعوها، وإن جرحكم السيف المستور بين ريشها.

يقول لنا «المصطفى»: إن الجمال ليس بالحاجة غير المكتملة، بل هو انشغاف وافتتان..هو صورة تبصرونها ولو أغمضتم عيونكم، وأنشودة تسمعونها، ولو أغلقتم آذانكم. والجمال هو الأبدية، تنظر إلى ذاتها فى مرآة، ولكن أنتم الأبدية وأنتم المرآة. ويقول: لا يصح العمل، ولا يكون مباركا، إلا إذا كان رفيقه الحب، فلا يستطيع أمرؤ فى الوجود أن يبنى بيتا أو يحرث أرضا أو ينشد لحنا،إلا إذا كان ما يقوم به ممزوجا بعاطفة الحب.

عاش جبران خارج المكان الذى ولد فيه ونُسب إليه، لبنان، ويجرى الاحتفاء به خارجه, لكنه هناك،فى الغرب،نجح بموهبته أن ينقل إليه بكتبه وإبداعاته وكتاباته الوجه الحضارى والثقافى والفنى والفكرى للثقافة العربية. وقد أدرك المثقف العروبى الشيخ «سلطان القاسمى» ،كما هى عادته دائما، أهمية المساهمة فى إبراز ذلك الوجه المعرفى والتأكيد عليه، فعكفت المؤسسات الثقافية التى يشرف عليها فى الإعداد لنشر وتقديم ترجمة جديدة لكتاب النبى وغيره من كتب جبران لمعالجة التقصير العربى من جهة للمشاركة فى الاحتفال الأممى بهذا المنجز الأدبى الفريد من جهة أخرى، لكى يصبح الاحتفال بذلك احتفالان، مئوية كتاب «النبي» والفرحة بصدور ترجمة عربية جديدة له.