رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

(ما من ذهاب أو إياب/ ما من مسير غير أحزان تسافر عبر أودية الضباب/ من الصقيع إلى السراب/ حيث البدايات اغتراب/ حيث النهايات انتحاب).

هكذا ينشد بأسى الشاعر الموهوب أحمد حسن عوض فى قصيدته الفاتنة (لا غير أنت) المنشورة فى ديوانه الجديد (ذاكرة منسية) الصادر هذا العام عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

قبل الولوج فى بستان هذا الديوان العامر بالقصائد اليانعة، علينا الاعتراف بأن الرواية العربية خطفت الاهتمام الجماهيرى والنقدى فى ربع القرن الأخير، بل يمكن القول إنها طردت دواوين الشعر من فوق أرفف المكتبات، إذ غدونا نلمح ازدهار الرواية بشكل لافت، لا من حيث الجوائز السخية التى تخصصها مؤسسات مرموقة فحسب، وإنما من خلال الإقبال الكبير على اقتنائها من قبل القرّاء العرب هنا وهناك.

المثير أن كثيرًا من الشعراء، الموهوبين وأنصاف الموهبين، قد هجروا أبيات القصيدة، وقرروا الإقامة فى قصور الرواية لأسباب متنوعة ليس الآن مكان ذكرها، الأمر الذى جعل العثور على ديوان جميل متفرد يعيد للشعر بهاءه القديم أمرًا بالغ الصعوبة.

من هنا يجب أن نحتفى ونحتفل بديوان (ذاكرة منسية)، ذلك أن الشاعر أحمد حسن عوض استطاع عبر 26 قصيدة أن يعقد مصالحة لطيفة بين القصيدة وبين القارئ المحروم من الشعر وحلاوته، وأن يثبت للقارئ الظمآن للقصيدة العذبة أن الشعر الجميل قادر على التألق إذا صادف شاعرًا موهوبًا مدججًا بثلاثة أسلحة فنية هى: رؤية شاملة للعالم المتوتر الذى نعيش فيه، ومهارات لغوية متنوعة، أما السلاح الفنى الثالث، فهو خيال خصب قادر على ابتكار تراكيب لغوية جديدة تعبر عن حال الإنسان فى هذا الزمن المشاغب.

اقرأ معى (متاهات الغياب) وهى قصيدة قصيرة. يقول أحمد: (سيمعن فى الغياب ولا يجىء/ كذاكرة من الزمن الخبىء/ تسافر فوق أشرعة الليالى دخانا يحتوى القمر المضيء/ لهذا الغيم أفئدة حيارى وللتعساء حلم لا يفىء/ أما من بارق يجتاح عينى ويخلع ذلك الجسد الصديء/ لتولد فوق أفق الله روحى وتحسو قطرة النور الدفيء/ أم أن الليل حين طوى فضائى وأرخى ستره الكابى القمىء/ توغل فى ضلوع الكون نصل وأزهق روح إحساس برىء).

يواصل شاعرنا المتدفق جولاته وصولاته فى حدائق الشعر المقطر، فيكتب لنا عن (الخلود) قائلاً: (من أين يتبعك الخلود وأنت سارٍ فى تفاصيل المدينة بين بين/ نهر تفيض بك المتاهة كلما شارفت معنى الضفتين/ أرق السؤال ووردتان تهاجران إلى الرؤى المستعصيات على التجسيد فى يقين المقلتين/ الآن... أين/ تمضى إلى جسد الرحيل وتنطفى بلحاظ عين/ وتعيد ترتيل الغواية... تنتشى... عند اشتجار حقيقتين/ هى خفقة أولى أطلت فى فضائك عندما بُعث السؤال على يديك مقطرًا بغمامتين).

أحمد حسن عوض شاعر جاد موهوب، عرف كيف يطوّع اللغة الفصحى لضرورات الشعر وعذوبته فى القرن الحادى والعشرين، وها هو يقدم لنا فى (ذاكرة منسية) مائدة عامرة بما لذ وطاب للعقل والروح والوجدان.