رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتى نلتقى

متى عرف الإنسان كيف يطهو طعامه؟ ومتى نفر من تناول الطعام النئ؟ وما مدى تأثير الطعام المطهو على تعظيم حجم المخ، ومن ثم تطور الذكاء؟

هذه أسئلة بالغة الأهمية، إذ إن للطعام المطهو الدور الحاسم فى تشكيل إنسانية الإنسان، فمنذ نحو ثلاثة ملايين سنة تمكن أحد أسلافنا من السيطرة على النار، فعرف كيف يطفئها وكيف يوقدها.

من تلك اللحظة الفارقة فى التاريخ هجر هذا السلف القديم تناول الطعام النيء بعد أن أدرك الطريق إلى كيفية طهى الطعام، فتغير جسم الإنسان، حيث كَبُر حجم المخ وقلّ حجم الجهاز الهضمى والفكين وصغرت كذلك الأنياب والأمعاء، لأن الطعام صار طريًا سهل الهضم بعد الطهى فلم يعد الإنسان فى حاجة إلى جهاز هضمى كبير وقوى الأعضاء كى يتمكن من التعامل مع صلابة الطعام النئ.

لقد لاحظ العلماء بذكاء شديد أن الطعام المطهو، خاصة اللحم الأحمر، يهب المرء طاقة أكبر من الطعام النئ. هذه الطاقة الزائدة لم تعد أعضاء الجسم فى حاجة إليها بعد أن قل حجمها كما قلنا سابقا، فأين ذهبت هذه الطاقة الزائدة الناتجة من تناول الطعام المطبوخ خاصة اللحم؟ لقد التهمها سريعًا مخ الإنسان، وهو أكثر عضو نهمًا للطاقة، فهو يستحوذ على نحو 15% من أى طاقة تدخل الجسم رغم حجمه الصغير بالقياس إلى أعضاء أخرى أكبر حجمًا لكنها تستهلك طاقة أقل.

وهكذا كبر حجم مخ هذا السلف القديم فبدأ ينفصل عن أسلافه، حيث مضى يشكل عالمه الإنسانى الفريد كما جاء فى كتاب (قدحة النار... دور الطهى فى تطور الإنسان) للعالم البريطانى ريتشارد رانجهام. لقد تطلب هذا التطور البطيء قرونًا طويلة حتى يؤتى أكله، فالمخ لا يكبر بين يوم وليلة عندما يأكل الإنسان طعامًا مطهوًا، وإنما يحتاج الأمر إلى تراكم آلاف الأعوام لتظهر النتائج واضحة جلية.

إن المعادلة بسيطة رغم عمقها الشديد، وملخصها كالآتي: يأكل الإنسان طعامًا مطبوخًا... يكبر حجم المخ... يتطور الذكاء... يصنع الإنسان الأدوات... تتيسر حياته... يمتلك المزيد من الوقت... يتأمل ما حوله... يفكر... يبتكر... يسيطر... هذه المعادلة استمرت ثلاثة ملايين عام، ومازالت، ولن يتوقف الإنسان عن التطور.

اللافت أن السينما المصرية اهتمت بتصوير مشاهد الطبخ والأكل، حيث احتشدت بالكثير من الموائد العامرة والأطباق الفارغة، ففى فيلم (ممنوع الحب/ 1942) لمحمد كريم، نتابع رجاء عبده وهى تطبخ على الباجور وتغنى لزوجها عبدالوهاب وتقول: (صنعة إيديا وحياة عينيا). أما فيلم (خرج ولم يعد/ 1984) لمحمد خان، فيحتشد بأكبر عدد من مشاهد الأفواه الممتلئة بالطعام.

لكن يظل  فيلم (الزوجة الثانية/ 1967) لصلاح أبوسيف أحد أهم الأفلام التى تنشغل بالمطبخ والموائد، حيث يوضح الفروق الشاسعة بين طعام الفقراء وطعام الأثرياء، وكيف يشقى البسطاء من أجل الحصول على أى طعام، حتى لو كان طعامًا متقشفًا خشنًا، بينما يسعد العمدة الظالم (صلاح منصور) بشراهته من أطايب الأطعمة على حساب هؤلاء المساكين!